ملهاتنا!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
“البلاد في وادي وأنت في وادي”.. قال صديق، معاتبا لي، لحديثي عن النظام، واتخاذي التخطيط العمراني مثلا، بين جمال نظامه في مدينة صنعاء القديمة وعشوائيته خارج أسوارها. كان الجواب: لا يقتصر الأمر على العمران، إنما كان مدخلا لبيان جناية الفوضى، وإنتاجها كل ما نحن فيه!
يشبه حال أكثرنا في اليمن -باستثناء من رحم الله- حال جهاز تلفون أو آيباد أو حاسوب بلا نظام. أو لنقل حال أي جهاز نظامه منهار أو غير مستقر. ذهنية مشتتة، روح مقيدة، رؤية زائغة، ومقدرات مهدرة. لهذا يحتاج اليمنيون، إلى إعادة تنصيب النظام ثم امتثاله ثم تحديثه لا أعني هنا، النظام السياسي للدولة، فهو نهاية أو نتيجة لا بداية، بل أعني النظام الحياتي الغالب بين الشعب، نظام حياة اليمنيين أولا. لن تستقيم حياتنا بلا نظام، ولا أمل في تبدل حالنا ما لم تغادر العشوائية معاشنا إلى رحاب النظام.
حال اليمن واليمنيين، “محلبطة” وهي بالطبع محبطة منذ زمن لا مجرد سنوات. هذا طبيعي لمجتمع يغلف عشوائيته وفوضى معيشته بعبارات تواكل لا توكل، من نوع “على الله” و”عتسبر”. هذه جناية، فالعشوائية ليست مظهر توكل، ومن التجني نسبها إلى الله.
لم يقل الله تعالى بهذا، وهو فاطر الكون بنظام، وفاطر حياة الدنيا وحياة الآخرة بنظام قويم، بل قال جل جلاله في بيان خلقه الكون بنظام دقيق: “لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، فسبحان الله رب العرش عمَّا يصفون”. (الأنبياء، الآية: 22).
حياتنا مليئة بالآيات الربانية على فطر الله تعالى السماوات والأرض بنظام، وتأكيد الأخير كمال الخالق. آيات عدة تؤكد أهمية النظام لاستقامة الحال، وبلوغ المآل، على أحسن مثال، في السعي لبلوغ البشر الكمال، ونعني هنا الكمال البشري.
يزخر القرآن الكريم بأوامر إلهية لخلقه بالتبصر، والتفكر، والتدبر. آيات تؤكد أهمية امتلاك الإنسان رؤية، وعقده النية، وشحذ الهمة، واختياره الوسيلة، واجتهاده لبلوغ الغاية، في سياق الحكمة من استخلاف الله عز وجل للإنسان في الأرض وتعميرها.
ويلزمنا في اليمن، إدراك أن النظام حاجة إنسانية ومجتمعية، لترتيب الوقت والجهد والمال والعمل. واليقين بأن العشوائية مجهدة ومضنية ومُكلفة ومضيعة. مداعاة للتأجيل والترحيل، بوابة التقصير والتواني لا التدبير والتفاني، تؤدي إلى التقاعس لا التنافس.
نحتاج بشدة، إلى ثقافة عامة في المجتمع، تؤمن بالنظام وتكفر بالفوضى. ثقافة تدخل في تربية النشء وتتحول إلى سلوك. ينشد المثالية وينبذ العشوائية، بوصفها مدمرة للعافية، مهددة للسلامة، مبددة للسكينة، مشتتة للذهن، معتمة للرؤية، مبددة للطاقة.
لو أن هذا تأتى لنا في اليمن، لما تولى على البلاد وإدارة شؤوننا منذ عقود، فوضويون، عمموا الفوضى، ثقافة وسلوكا، نهجا ومنهجا، قاد -ولايزال- البلاد إلى مهاوي التيه والانحدار، بعيدا عن سلم الترقي والتطور الطبيعي، المجبولة عليه الحياة، منذ الخليقة وحتى النهاية.

أترك تعليقاً

التعليقات