
إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يتنامى وعي حميد، يتراءى في توجه جديد لدول بالمنطقة، يعيد للواجهة مشروعا يمنيا قديما، جرى إجهاضه أمريكيا وصهيونيا عبر أدوات إقليمية، ضمن منافسات دولية للهيمنة والسيطرة على منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي واليمن ومضيق باب المندب وخليج عدن وصولا إلى أرخبيل سقطرى.
أتحدث قطعا عن إنشاء تحالف دول البحر الأحمر. طرحه اليمن إبان رئاسة الراحل إبراهيم الحمدي، وجدد اليمن الحر طرح جوهره وغايته، المتمثلة في رفض الهيمنة الأمريكية والغربية عموما على البحر الأحمر وعسكرته بحاملات الطائرات والأساطيل الحربية وإنشاء قواعد عسكرية في سواحله وجزره.
فعليا، تنافس القوى الكبرى وسباقها بمضمار الهيمنة على هذه المنطقة، وخاصة اليمن ودول القرن الإفريقي؛ محموم منذ اكتشاف الشراع...
لكن الجديد أن هذا السباق المسموم بات يتجاوز تفخيخ هذه الدول بالأزمات وفتن الحروب والتقسيم، إلى التنافس علنا على احتلالها سياسيا واقتصاديا وعسكريا!
برز أخيراً متغير لافت، تجاوز الصوت الخافت، وبدأ موقف إريتريا يأخذ لونا بعدما ظل رماديا في السنوات العشر الأخيرة، حيال العدوان على اليمن، قبل وأثناء خوض اليمن معركة «طوفان الأقصى» وإسناده غزة ومقاومتها، بعمليات حظرت الملاحة البحرية للعدو «الإسرائيلي» وسعت لحظر ملاحته الجوية.
المتغير الجديد، هو إعلان الرئيس الإريتري، إسياس أفورقي، موقفا قويا لبلاده من مساعي تحالف الشر العالمي (الأنجلو-صهيوني) إلى عسكرة البحر الأحمر. تحدث صراحة عن «مؤامرات إقليمية ودولية، لفرض هيمنة أجنبية على هذا الممر البحري الهام»، عبر «إنشاء قواعد عسكرية أجنبية».
بدا أفورقي، واعيا بما يدور، فاعتبر حرب السودان «غزوا أجنبيا»، والعدوان على اليمن «طموح احتلال»، وتقسيم الصومال «بلقنة» وامتدادا لمؤامرة على منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي وباب المندب وخليج عدن وصولا إلى سقطرى، بوصفها وما تشهده «منطقة مترابطة جيوسياسيا واستراتيجيا».
شخص الرئيس الإريتري، المؤامرة بقوله: «ما يثير القلق اليوم هو محاولة قوى خارجية ترسيخ مواقع هيمنة في هذه المنطقة تحديداً. هناك جهود لإنشاء قواعد في سقطرى، وهي جزء من اليمن وتقع في القرن الإفريقي، وبالمثل، محاولات لبناء قواعد في جزيرتي ميون وزقر بمضيق باب المندب».
الأهم في مقابلة أفورقي، لتلفزيون إريتريا، هو النظرة العامة لما يدور، فقد تحدث عن أنه «بالنظر إلى هذه الجغرافيا -من سقطرى إلى ميون- ومحاولات بلقنة الصومال، يتضح أن الهدف النهائي هو تهيئة مناخ ملائم لإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في هذه المنطقة لتحقيق أهداف سياسية معينة».
لهذا لم يفصل بين ما يُحاك للمنطقة والعدوان على اليمن، وقال: «ينبع عدم الاستقرار في اليمن، في جوهره، من طموح القوى العالمية لترسيخ وجود عسكري في اليمن وجزره ودول منطقة القرن الإفريقي برمتها. تُشكل هذه المؤامرات خطرًا مستمراً على البحر الأحمر وخليج عدن وسواحل المحيط الهندي».
أما الموقف الإريتري، حيال هذا، فلخصه أفورقي بقوله إن «أمن البحر الأحمر مسؤولية الدول المطلة عليه»، و»لا توجد قوة خارجية يمكنها أن تحل محل القدرات الداخلية لكل دولة ساحلية»، و»يجب أن تلتزم كل دولة ساحلية وشعبها بمبدأ حماية مواردها البحرية، ككيان ذي سيادة من خلال قدراتها».
في المقابل، أيد أفورقي أن «تكون هناك آلية تعاون بين الدول الساحلية لتوحيد قواها وتأمين هذا الممر المائي الدولي بشكل جماعي من خلال إطار قانوني ومؤسسي مشترك». واستدرك: «في حال عجز هذه الدول، قد يكون هناك دور للتعاون الدولي ضمن حدود القانون الدولي وفي إطار قانوني واضح».
الوعي الإريتري بالتآمر القائم، يتجلى في إعلان أفورقي، صراحة: «خارج هذه الرؤية، لا مبرر لمقترحات إنشاء قواعد عسكرية أجنبية أو لتدخلات عسكرية مباشرة تستهدف أي دولة مطلة على البحر الأحمر بحجة حماية أمن الممر البحري. هذه التدخلات غير قانونية وغير مقبولة، ولن تكون مثمرة».
قد يبدو هذا بنظر البعض ردا على الضغوط (الإثيوبية -»الإسرائيلية») على إريتريا، لكنه يبدو موقفا واعيا لعواقب استقدام أي قوات أجنبية، خصوصا بعد تجربة إريتريا تأجير ميناء عصب لدولة الإمارات واستخدام الأخيرة له في أنشطتها العدوانية باليمن والصومال والسودان، قبل إلغاء اتفاقية التأجير.
يضاف إلى هذا، تصريح أفورقي بتأييد موقف مصر الثابت والمتجدد إعلانه طوال عامي «طوفان الأقصى» في وجه الضغوط الأمريكية الصهيونية، بقوله: «إن كلاً من إريتريا ومصر على استعداد للاضطلاع بدورهما في تعزيز بيئة تعاونية بين دول البحر الأحمر، تضمن بقاءه ممراً مائياً عالمياً».
كان دقيقا وعميقا، أن يختم الرئيس أفورقي حديثه عن «التهديدات المحدقة»، بقوله: «من هذا المنظور، ومع مراعاة العمق الاستراتيجي والترابط بين دول هذه المنطقة، فإن ضرورة التعاون والتضامن الإقليمي بين شعوبها وحكوماتها واضحة وضوح الشمس. وهذا ليس خياراً، بل واجب تاريخي».
يبقى الثابث أن المنطقة العربية عموما، ومنطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي واليمن، تشهد مخاضا خطيرا، بمواجهة قوى الهيمنة وتحالف الشر العالمي (الأنجلو-صهيوني)، يحصرها بين مصيرين: إما الاحتلال والانهيار سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وإما الاستقلال والاستقرار والازدهار.. فماذا تختار؟!










المصدر ابراهيم الحكيم
زيارة جميع مقالات: ابراهيم الحكيم