رئيس التحرير - صلاح الدكاك

صـلاح الدكاك / لا ميديا -
توافق ذكرى يوم الولاية للسنة السابعة في اليمن والمنطقة العربية والإسلامية مشهدية صراع جلي كما لم يكن من قبل ولا لبس في اصطفافات أطرافه ووجهة ولاءاتهم: معسكر يوالي الله ورسوله والذين  آمنوا متخندقاً في قلب قضايا الأمة المركزية العادلة، منحازاً للمستضعفين في أنحاء الأرض ولبندقيته  وخطابه وقوله وفعله وأدبياته ومضامير نضاله وجهة واحدة جلية وعدو واحد هو الكيان الصهيوني  وقوى الاستكبار العالمي، ومعسكر مقابل يدين بالإسلام ويرفل في مسوحه ويرفع راياته متخندقاً في  معارك الولايات المتحدة ووكيلها الحصري في المنطقة، كيان العدو الصهيوني بجلاء وبلا حرج، ولماله  وسلاحه وخطابه ومناشطه في كل حقل ومضمار، عدو واحد هم أعداء الصهيونية والاستكبار  من أحرار الأمتين العربية والإسلامية والعالم.
في مشهدية صراع كهذه جلية الفرز بلا لبس تبرز القيمة المحورية للولاية كخيار إنساني واعٍ تفرضه مقتضيات اللحظة وراهن الصراع بكل تحدياته، حيث لا منطقة وسطى في متاح المحايدين، فإما إنسانية كاملة في أحسن تقويم هي تجسيد لإرادة الخالق وامتداد لصفوة خلقه منذ آدم ولكل الأحرار الذين قضوا برؤوس عصية على مقاصل التعبيد، وإما نكوص في درك الخنوع البهيمي لقوى الطاغوت المتمثلة بقوى الاستكبار والإمبريالية الغربية والكيان الصهيوني امتداداً لـ"أنا خير منه"، و"أنا ربكم الأعلى"، و"ليس علينا في الأميين سبيل"، وعقيدة "العرق الآري والإنسان الأبيض".
ينسج سيد الثورة القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في خطاب يوم الولاية، سياقاً متماسكاً من الشواهد والاستدلالات الإيمانية والفكرية والمادية تتجلى من خلاله الموالاة بمفهوميها الرباني القويم والشيطاني الهدام كتقابلات تنتظم تاريخ الصراع منذ سجدة الاستخلاف وصولاً لحديث الخندق، حيث يبرز الإيمان كله ممثلاً في الإمام علي عليه السلام، للشرك كله ممثلاً بعمرو بن عبد ود ومن ورائه أبو سفيان وجبابرة قريش حتى اللحظة الراهنة من الصراع، حيث محور المقاومة يقف موقف الإمام علي في مواجهة محور استكبار كوني يقاتل تحت لوائه لفيف النفاق والخيانة من أنظمة عربية وإسلامية كامتداد للطغيان منذ بدء التاريخ.
علي الذي ترعرع في كنف رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام وشب في كنفه وعلى صراط أخلاقه وقيمه النبوية فكان للنبي "هاروناً" يخلفه في قومه وباباً لمدينة علمه ووزيراً له لا يفارقه في الشدة والرخاء وشاهداً منه يتلوه في أمته سيراً ومسيرةً على ذات الصراط... علي الذي كان هدفاً لبغضاء قوى النفاق ومؤامراتها ولايزال هدفاً لها إلى اليوم، لم يكن مجرد رجل من جملة الرجال حول رسول الله، بل مشكاة ثورته المحمدية التي توقد من شجرة النشأة المباركة وتتقد بجوهر الدعوة الرسالي، فإذا كان النبي في حياته حكماً وأسوة لمجتمع الدعوة فإن علي هو لأمته من بعده ولا ريب مرآته الأجلى التي لم تخدشها سابقة شرك ولم تشبها شائبة وثنية، وهو "أنموذج الكمال الإيماني" لدين افتداه فتى ويافعاً وجسده تقوى وزكاءً وفروسية وجهاداً فلم يرق لمنزلته ولا ادعاها سابق للإسلام أو لاحق... دين انضوى تحت لوائه شانئوه وأعداؤه الذين هم شانئو وأعداء علي فكان خلاصهم من علي في يقينهم وبشاهد الحال -فيما لو أمكن- خلاصاً من الإسلام واستفراغاً له من كل قيمة جوهرية مع اتشاحه في الوقت ذاته كدعوى قشورية لإسلام مدجن بالتأويل لأهواء الطغاة والمستكبرين.
إن علياً ليس حديثاً عن ماضي أمة انقضى، بل عن حاضر أمة لولا إبحار سفينة الإسلام المحمدي العلوي في خضم واقعها لانمحت بشراً وأثراً... أمة ترفع الأذان لله ويسجد معظم منتسبيها للطاغوت الأمريكي وترفرف راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله" عنواناً لأبشع المجازر المرتكبة بحق أحرارها وتسوق قوى النفاق بنيها وثرواتها وقوداً لمعارك أعدائها باسم الجهاد.
إن علياً هو حديث عن انخلاع باب خيبر كما هو حديث عن يمن 21 أيلول وسقوط سلطة الوصاية والتبعية وعن سبعة أعوام من الصمود الأسطوري اليمني والانتصار بوجه عدوان قوى الاستكبار العالمي مجتمعة.. هو حديث عن تهاوي غول قريش عمرو بن عبد ود تحت أقدام الكرار كما هو حديث عن تحرير جنوب لبنان وملحمة تموز المقاومة 2006 وغزة 2021 وتهاوي البعبع الصهيوني الذي لا يقهر تحت أقدام رجال الله وحزبه وأنصاره.
لم يكن الله ولا رسوله ليترك دينه سائباً تتناوشه دعاوى مجتمع مرد الملأ فيه على النفاق... لم يكن الله ولا رسوله ليفصل في أمر الوضوء والحيض ولا يفصل في أمر الولاية فيدعها نهباً للأحاديث والمرويات المنتحلة عن فضل من يسعى مستميتاً لتغييب الفاضل حتى يأخذ زمام الدنيا باسم الدين، فحتى في الثورات لا مناص من أن يبقى تمثيلها في أكف الرموز السابقين لتفجيرها والمتمثلين لرؤيتها قولاً وفعلاً.
وإذا كان علي عليه السلام قد أزيح عن الكرسي الرسمي فقد استعصت على شانئيه إزاحته من ذاكرة الأمة وإماتة ذكره في وجدانها الحي... لقد استوى الخلفاء على كرسي الخلافة بسطوة الدولة لعقود تطول وتقصر، ولكن علياً استوى على قلوب المؤمنين بسطوة الحب والاتباع والاقتفاء والولاية وكان عرشه أفئدة الأحرار والصادقين وظله كنف المستضعفين ليومنا هذا ولأبد التاريخ حتى يأتي أمر الله.
إن مدرسة المسيرة القرآنية التي أحيت روح الرسالة المحمدية العلوية في موات أبناء الأمة فكان الصماد وكان أبو حرب الملصي وكان أبو الحسن المداني وكان أبو ماجد الحميري وأبو علي الحسام وأبو شاجع الكبسي وخليل المؤيد وأبو قاصف عيسى وأبو فاضل طومر... إن هذه المسيرة القرآنية التي يتصدرها اليوم قائد على خطى علي قولاً وفعلاً وزهداً ثورياً وحكمة وإيماناً فيؤرق بأنصاره الحفاة منام طواغيت الأرض ويوقظ أشواق الخلاص في أكواخ المستضعفين، هي مسيرة تشير إلى رسوخ زيتونة مباركة لا ينفد زيتها ولا يبرح يضيء فوق قدرة جبابرة العالم على إخماده وتغييبه... فولاية علي الموصولة بولاية الله ورسوله والمقرونة بقرآن الله هي أبدية جدلية ممتدة بامتداد الزمان والمكان بشواهد قيمية مجسدة ومنظورة في أولياء يرفعون سقف الخلاص كلما يريد أن ينقض على رؤوس البشرية لا بدعاوى عرقية ومشجرات نسخ منها الاستعمار الغربي ممالك هاشمية داجنة في المغرب والمشرق ولا بإسلام وهابي نسجه مملكة حلوباً تصب حليبها في حظائره وروثها فوق رؤوس شعوب المنطقة.
إنها ولاية راسخة مبعثها رهان الخالق على خيرية عباده المخلصين في مقابل رهان الغوي المُنظر ليوم البعث.
ولكل أمة هادٍ..

أترك تعليقاً

التعليقات