رئيس التحرير - صلاح الدكاك

صلاح الدكاك / لا ميديا

كان نخبة مثقفي (الحزب الاشتراكي اليمني) بالأمس القريب يمركسون كساحهم وقعودهم عن خوض معترك النضال في اليمن، بالقول: (حيث لا طبقة بروليتارية عمالية فإنه لا صراع!).
وهكذا فإن الحزب لا يعفي نفسه -فحسب- من أكلاف الانحياز إلى المسحوقين والكادحين، والنضال بهم ومعهم في سبيل عدالة اجتماعية ممكنة، بل إن كساحه وقعوده يغدو حينها عين النضال وذروته، بمقتضى هذا المنطق النافي للصراع. أكثر من ذلك فإن دور الحزب المحوري ومهمته المقدسة تغدو منحصرة في انتظار خروج (البروليتاريا من سرداب التغييب)، ولتنضيج الظروف الموضوعية أمام لحظة الخروج المستقبلية المهيبة وتهيئة المناخ لها، استولد الحزب هزلية أخرى من هزلية نفي الصراع الآنفة، فأعلن متوكئاً على ذات عصا المنطق المتمركس المنخورة، أن إخلاصه لـ(البروليتاريا المغيَّبة) يفرض عليه الانحياز إلى (البورجوازية الطفيلية الحاضرة) في الزمان والمكان، ودعمها ومساندتها بكل المستطاع، فمن أحشائها سيخرج (جنين النقيض العمالي المنتظر!)، ومن رحم الجلاد الذي يقر الحزب بوجوده وينحاز إليه، ستولد الضحية التي ينفي الحزب وجودها ليكون بوسعه الانحياز إليها مستقبلاً وتحقيق اشتراكيته غير القابلة للتحقق في حاضر كساحه المقدس.
لقد أفسدت ثورة 21 أيلول على أدعياء الاشتراكية نعيم نضالهم بالأفخاذ والأثداء في بلاط سلطة الجلادين، وقوضت أعمدة وتكايا وتخوت الكساح الحزبي على رؤوس كهنة معابد اليسار المبتذل العاكفين على أقدام مسوخ الإقطاع يدعكونها ويدلكونها بعرق الكادحين. ولم يكن مستغرباً –بطبيعة الحال- أن يقف (الحزب الاشتراكي) في الضفة النقيض لثورة جلية الانحياز للضحايا، وأن يستدر منطقه الهزلي المتمركس حججاً وذرائع مسوِّغة لمناصبة (أنصار الله) العداء وصولاً إلى الغرق الفاضح في مستنقع العمالة والارتزاق في مزاد (الرجعية العربية) ومؤازرة عدوان كوني استعماري امبريالي على اليمن شعباً وتراباً.
أستذكر (هزليات الرفاق) المستمرة في التناسل منذ حقبة غابرة وإلى اليوم، أمام سطوع مقاربات سيد الثورة للصراع، والتي تنتظم مجمل خطاباته تقريباً، وفي كل مرة أصغي إلى هذه المقاربات إصغاء الناقد لا إصغاء الموقن سلفاً بعظمتها وقداستها دون إعياء الذهن وإعماله للوقوف على موضع وسر القيمة فيها؛ وفي كل مرة أجدها تصدر عن منهجية واحدة تنتظم أفكارها ومضامينها.. منهجية متموضعة في الصراع بلا لبس، ومنخرطة في أتون الممارسة العملية بلا فصام بين القول والفعل والنظرية والواقع، لذا فهي قادرة على فلترة مجريات الصراع واتخاذ مواقف جلية وجريئة إزاءها أولاً فأولاً وبحيوية واستجابة تكفل للحركة الثورية الحضور الدائم كقوة فاعلة في صلب توازنات اللحظة الراهنة لصراع يتخلق المستقبل من أتونه.
إن أثمن ما في الماركسية كمعرفة إنسانية متجسد اليوم في مقاربات السيد عبدالملك الحوثي للصراع فكراً وموقفاً وفي منهجية المسيرة القرآنية، كما أن الاشتراكية كتوجه ثوري نقيض للتوحش الرأسمالي ومقارع للامبريالية هي متجسدة في حركة (أنصار الله) كقيادة طليعية لثورة فارقة أطاحت بمنظومة كمبرادورية من أقوى المنظومات الحاكمة في المنطقة، وتخوض اليوم وبجدارة حرباً شعبية لا سابقة لها في مواجهة تحالف عدوان كوني امبريالي، وتلحق به هزائم نكراء تقض تداعياتها مضاجع (البيت الأبيض) للعام الرابع.
يقول سيد الثورة بـ(حتمية الصراع الآن وفي الماضي وفي المستقبل)، ويستند في هذا الاستخلاص الموضوعي المنطقي الصائب إلى منهجية قرآنية جلية الألفاظ والدلالات في هذا الشأن، في حين يقول أدعياء الاشتراكية بـ(حتمية الهيمنة الأمريكية وانتفاء الصراع)، ويستندون في هذا الاستخلاص الابتذالي الناكص إلى خواء وزنهم كيسار كارتوني يعجز عن أن يكون كَسراً عشرياً في مزاد اليمين حتى وهو يخصف أحذية الرأسمالية بورق (رأس المال) ويتودد أفخاذ ملوك وأمراء البترودولار بمؤخرته التقدمية ولحوم المسحوقين والمسحوقات من أبناء جلدته.
لقد بدد الرفاق قرابة العقدين من تجربة الحكم كيسار في الجنوب الشطري لليمن حتى يكتشفوا أنهم كانوا يساراً يبحث عن نقيضه في اليسار ذاته ليقتتل معه بينياً بذرائع شتى، إلى أن صدع (جار الله عمر) بالسؤال: (نحن اليسار فأين يميننا؟!)!
غير أن هذا السؤال لم يكن كافياً لكبح عجلة الاقتتال البيني اليساري، بل أفضى إلى دورة دموية أخرى عقب أشهر من طرحه، كانت بمثابة الحاسمة في إجابتها عليه، واستقر الرفاق إثرها على أن (يساريتهم) هي صندوق الشرور الذي ينبغي دفنه للأبد والذهاب (يميناً)، وأن السبيل الأسلم لإنهاء الصراع هو (نفي الصراع) بالمطلق والانضواء في دفء الزريبة الأمريكية قبل فوات الأوان.

أترك تعليقاً

التعليقات