رئيس التحرير - صلاح الدكاك

بالذهنية المستلبة كلياً لجهة أربابها في الخليج والغرب، والتي لا تملك من أمرها شيئاً، أدارت دمى العمالة اليمن لنحو 5 عقود، وتحاول اليوم أن تدير مشاورات الحل السياسي، غير أن أربابها الغارقين حتى ذقونهم في مستنقع تداعيات فشلهم العسكري للعام الرابع في اليمن، لم يعد يتوافر لهم ترف الحال ولا الوقت للتمادي في لعبة الدفع بالدمى إلى مسرح المشاورات والاختباء خلفها، كما في كل مرة، وباتوا مرغمين على مغادرة الكواليس، والتقدم - ولو بضع خطوات- صوب خشبة المسرح، كسبيل لا مناص منه لتلافي المزيد من أكلاف الغرق الباهظة على عروشهم!
أداء وفد ما يسمى (الشرعية) إلى مشاورات السويد، هو التجلِّي الأنصع بذاءة وافتضاحاً لذهنية بذيئة حكمت اليمن لعقود، متخذة من شعارات الوطنية والجمهورية والحرية والسيادة سرابيل تقيها الانفضاح، ومقاصل تهوي بها على رقاب من لا تحجب الشعارات حقيقتها عن بصائرهم النافذة وضمائرهم اليقظة الحرة..
كم هو مقرف أن يستعيد المرء في هذه الخلطة الوضيعة من أراذل البشر مشهد حكامٍ قرفصوا على كاهل بلد الـ10 آلاف سنة حضارة، ويمن الإيمان والحكمة، حقبة من الزمن، قبل أن يَمُنَّ الله على المستضعفين، ويجعلهم أئمةً، ويجعلهم الوارثين..
هذه الخلطة الوضيعة من البهلوانات التي تمثل اليوم بسفور وصفاقة، مصالح قوى الغزو والاحتلال الأجنبي، هي ذاتها التي كانت تُدبج الخطب المطولة عن السيادة بالأمس، وتجلد بها أسماع الشعب من على منصات الاحتفال بالثورة والجمهورية وأعياد الجلاء والاستقلال..
هذه الأشداق التي تعكف ساجدة لغلمان المملكة والإمارات، وتستحم بأبوالهم، وترى في مقالب قاذوراتهم مسجداً وطهوراً، هي من كانت تلعن الكهنوت والظلامية، وتؤم الشعب في صلوات الجمعة والعيدين وليالي القدر، وتعلم الأطفال الوضوء والدعاء والركوع والسجود والوطنية وآداب المسجد والشارع!
هذه الخلطة التي يتشاطر أعضاؤها مفاتيح غرف نومهم ومخادع الزوجية الخاصة بهم، مع الجنجويدي والإماراتي والكولومبي والسعودي والصهيوني والمكسيكي وجحافل شذاذ الآفاق، هي ذات الخلطة التي رفضت أن تشاطرنا الوطن بالأمس، باعتبارنا مجوساً، وتتعهد اليوم بأن ترفع العلم الجمهوري في جغرافيا تطهرت من دنسها، وهي ذات الخلطة التي تدرك أن الوطن بات حراماً عليها، وأنه ما من قوة في الكون قادرة على أن ترغم شعبنا على أن يتشاطر معها الهواء والسماء والماء مجدداً، وأن السياسة أعجز من أن تمنحها تأشيرة عبور إلى صنعاء، عجزت في انتزاعها لـ4 أعوام بالعسكرة.
لقد استنقذت ثورة 21 أيلول الشعبية، البلد والتاريخ من نير الوكلاء المحليين، وأفسحت لهم بتسامحها متسعاً لشراكة محورها الوطن وسيادته وكرامة ومصلحة شعبه، لكن الوكيل مجبول ـ بالقصور الذاتي لمهنته ـ على العبودية للسوق وتأليه أربابها، والحط من كل قيمة لا تفقس بيوضها في دورة رساميل هيمنتهم الكونية على مصائر وثروات البلدان والشعوب..
أرادوا اليمن كَسراً عَشرياً في الحسابات البنكية لقوى الهيمنة، وملعباً استهلاكياً لها، وأردناها رقماً وجودياً صحيحاً في معادلة الكينونة الإنسانية الوازنة، ولاعباً فاعلاً على ملعب الندِّية الحضارية، يناكب الآخرين دولاً وشعوباً القضايا والمصالح المشروعة وئاماً وصداماً على قاعدة رفض الهيمنة ومبدأ نظائر الخلق والدين.
لم نقْطُر حطام سلطة الوكالة البائدة في شاحنات المخلفات والترحيل القسري، بل بسطنا لها أكف الشراكة كفرسان نبلاء لا يُثلم عهدهم إذا عاهدوا، فولَّى الوكلاء أدبارهم تباعاً في جنح البراقع، فارين كالحمر المستنفرة فزعاً من قسورة الثورة، لائذين بعتبات أربابهم في الرياض والإمارات ولندن ومركز ربوبية السوق واشنطن...
كيف يمكن لهؤلاء أن يَصدُقُوا اليوم في نشدان شراكة فصموا عُراها طائعين بالأمس وسلامٍ قوضوه باستجلاب عدوان كوني على إخوة التراب والمصير، طمعاً في استعادة ماضي الاستحواذ، وكفراً بحق الشعب في الحرية والاستقلال والانعتاق من ربقة الوصاية لأيٍّ كان، وتحت أي مسمى؟!
وإذا تجاوز وفدنا الوطني لوجه الحل السياسي، عن جرائم هؤلاء بحق اليمن واليمنيين، فكيف ستتجاوز عنها أشلاء شهدائنا وجراح جرحانا ومعاناة شعبنا الذي لا موضع في نسيجه الاجتماعي إلا انتهبته نِصال خياناتهم، ولا سقف من سقوفه إلا وتحته ثأرٌ مستحق السداد ودم لا يُطَلُّ ولا يتخثر بتوالي الأيام.
مراراً قلنا إن أي تنازل يقدمه وفدنا الوطني لهؤلاء على طاولة المشاورات السياسية، هو بمثابة شيك غير قابل للصرف على أرض الواقع، وأسلم لخلطة الوصاية أن تقطع حبال التعويل، فليس إلا حبال المشانق بانتظارها. 

أترك تعليقاً

التعليقات