رئيس التحرير - صلاح الدكاك

بفقدان (علي صالح) لم يخسر تحالف قوى العدوان الأمريكي موطئ نفوذه الأخير في (صنعاء 21 أيلول) فحسب، فأفدح من ذلك أنه خسر ورقة الحسم الوحيدة التي قدَّر لها أن تقصم العمود الفقري لثورة أيلول وقيادتها، وتوسِّد (صنعاء) على مائدة شبقه للانتصار بعد تقشيرها بضربة خاطفة تطوي 3 أعوام من إخفاقاته العسكرية المهينة وتداعي هيبته إقليمياً ودولياً!
ترتيباً على صوابية هذا الاستخلاص، يتمظهر حجم المأزق الذي تعيشه المملكة السعودية بوصفها خزانة التمويل الكبرى لمشروع العدوان على اليمن، والأكثر حماسة له، كما والأكثر عرضة لارتدادات فشله في إنجاز أهدافه، وهو مأزق كان قائماً قبل ديسمبر الفائت، لكنه كان مفتوحاً على انفراجة مؤكدة ورهان راجح الربح وفق تقديرات (الرياض)، ليغدو عقب وأد الفتنة مأزقاً وجودياً مطلق التعقيد.
شنت السعودية عدوانها على اليمن بغاية وجودية وحيدة: أن تكسب كل الحرب وكل السياسة وكل اليمن كحظيرة مسجَّلة باسمها منذ ما يزيد على نصف القرن، ولا مجال لأنصاف الريوع في حساب سياقها التاريخي البنيوي الناكص لجملة عوامل، فبعض الخسارة لديها يساوي كل الخسارة، والبديل عن الانتصار الساحق هو الهزيمة الساحقة.
وإذا بدا أن المملكة جنحت إلى التفاوض، وانحازت لخيار (الحل السياسي) في غير منعطف من مسار عدوانها العسكري، فَلِذات الغاية الوجودية التي لا تتحقق إلا بالإجهاز الكامل على المتغير الثوري اليمني الأنصاري، عبر مختلف وسائط الاستهداف، بما فيها فخاخ وكمائن التشاور السياسي.. لقد وُصِفَت كل الجولات التشاورية المنعقدة على هامش الحرب في أكثر من عاصمة، بـ(الفاشلة) من قبل (الرياض)، ليس لأن (الآخر الثوري) لم يقدم تنازلات مجحفة على مذبحها، وإنما لأنه نجا من كل فخاخ الاستهداف الناعم هذه، ولم تظفر المملكة برأسه طواعية فتنجز غايتها بزهيد الكلفة.
إن استشراف أفق الاشتباك على المدى الزمني المتوسط والبعيد، عقب وأد فتنة ديسمبر، لا ينبئ بجولة مشاورات سياسية، قدر ما ينبئ بصراع إرادات مرير ومرهون الخاتمة بانتصار إرادة طرف وانكسار إرادة الآخر، وقد كان سيد المقاومة حسن نصر الله محقاً حين جزم في حواره مع (الميادين) بأن السعودية ليست بوارد القبول بـ(حل سياسي ينهي العدوان)، كما أن اليمنيين ليسوا بوارد (الاستسلام)..
إن نقاء مشهد الاشتباك على الضفتين، بانحسار التيار الخياني ورموزه في الداخل، لا يتيح لتحالف قوى العدوان إمكانية المناورة مجدداً بخيار التشاور بغية الكسب السهل أو إعاقة القيادة الثورية ميدانياً، وإجهاض حالة الصمود الشعبي اليمني، إذ إن مناورة كهذه كانت مواتية ـ فقط ـ في ظل جبهة وطنية هجينة لم تعد كذلك اليوم، لا على مستوى محدداتها السياسية لطبيعة التسوية عبر الحوار، ولا على مستوى رؤيتها لثوابت المواجهة العسكرية ومقتضياتها واستمرار الصمود كخيار.
 يواجه تحالف قوى العدوان اليوم جبهة وطنية خالصة تقف قيادة ثورة أيلول في قلب مكوناتها، وعلى طاولة التشاور وفي الميدان فإن المقاتل الثوري الوطني هو المفاوض، والمفاوض هو المقاتل، والمعركة واحدة لا تتجزأ ولا تغرد خلالها شفاه السياسي خارج سرب بنادق المواجهة مع العدو وخنادق الاشتباك العسكري مع تحالف قوى عدوانه.
لا أحد بوسعه في الراهن أن يدفع عن (المملكة والإمارات) غضب البراكين الباليستية بحجة التعويل على دعوات سلام مخاتلة ووعود زائفة بوقف العدوان ورفع الحصار، ولا أحد بوسعه أن يستدرج المواجهة مع العدو إلى صدام داخلي مع الشارع الصامد على خلفية مماطلة أطر الوفاق السياسية التنفيذية في إنجاز وعودها له بتخفيف المعاناة، ولا أن يستدرج حالة الاصطفاف الشعبي إلى حضيض الاحتراب الأهلي تحت مسميات وطنية براقة.
وجهاً لوجه باتت المملكة السعودية في مواجهة الثورة التي استماتت في محاولة الإجهاز عليها عبثاً، وإذا كان الحل السياسي أمراً غير وارد في قاموس الرياض، فإن الحل العسكري هو بالقصور الذاتي ورطتها ومأزقها القهري لا خيارها.
ما مناسيب الدم الذي يتعين على السعودية أن تسفكه في اليمن لتكسب إذعان شعبها والقضاء على ثورته؟!
تمعن آلة تحالفها العسكري في تجريب المُجرَّب بلا جدوى، بينما يمضي اليمنيون في إعداد العدة الكفيلة بوضع مستقبل مملكة بني سعود برمتها على شفير السؤال:
ما مناسيب الألم الذي يتعين على المقاتل اليمني في الجيش واللجان أن يلحقه بمدن الملح والقار لتنهار عن بكرة أبيها وجدها؟!
إن الاشتباك في طوره النقي الراهن، أعقد من ذي قبل، لكنه لجهة شعبنا أكثر توافراً على إمكانات الحسم الناجز وتثمين الدم والتضحيات حريةً واستقلالاً وروافع كينونة سامقة وصلبة.
إن ميدان الرد اليمني على دول العدوان فسيح وغير مجرَّب، وقد أمكن لنا أن نشاهد جلياً ما فعلته ضربة بركان بكيان المملكة المهيبة حين وخزتها في عين طغيانها وأفقدت (يمامتها) البصر فوق فقدان البصيرة.. لا بدَّ - إذن - مما ليس منه بدٌّ، والله غالب على أمره.

أترك تعليقاً

التعليقات