وحدنا والله فينا قد تجلّى
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

كل ما يُعتَدُّ به من سلاح فتَّاك هو في يد عدوِّنا و.. ننتصر..
أرجاء المعمورة مشرعةٌ أبوابها بلا حدود لعدوِّنا؛ يأخذ من خزائنها ما يشاء ومتى يشاء قمحاً وقنابل عنقودية وأقراص كبتاجون وشهادات زور سياسية وقرارات مؤازرة أممية و.. ننتصر..
مطاراتنا وموانئنا ومياهنا الإقليمية ومنافذنا البرية موصدةٌ أمامنا ذهاباً وإياباً، وسماؤنا محظورة على عصافيرنا ومدروزة بعُقبان الموت الحديدية المعادية، و.. ننتصر..
نشد الصخر على البطون الضامرة، ونملأ مراجلنا بالحصى لنلهي أطفالنا الجوعى، ونضمد جرحانا بجريد نخلنا الباسق، ولا نشحذ بالأثداء فُتات الصدقات من حقول الآخرين، ولا نستسقي شربة الماء من بِرك المنظمات الإنسانية المالحة الآسنة، و.. ننتصر.
نتخندق على تخوم ترابنا الوطني الطاهر دفاعاً كأسيجة من الفولاذ، فنجعل البحر رهواً تحت بارجات العدو، والبر رخواً تحت أقدام جحافل مسوخه الغازية، ونقول لجهنم أوديتنا وصحارينا وشواطئنا: هل امتلأت؟! فترد بلهفة وشغف: هل من مزيد؟!
ونُداهم عدونا في عقر داره هجوماً، فنتنزل صواعق وبروقاً وعواصف رعدية وشهباً ثاقبة، ونسَّاقط كِسفاً ومُدىً ونصالاً على ثكناته وأبراجه ومعسكراته وقواعده الجوية وفي صدور عسكره، فنطعم وحوش الفلوات والنسور والعقبان أرغد الأبدان وأتخم الكروش وأنعم المعاصم، ونروي هائمات البراري دماً سائغاً لا يكاد يتخثر حتى يميع بسخاء مشرفياتنا وبنادقنا وهي تمده بسبعة أبحر من طازج الدم والنجيع.. وننتصر.
وحدنا كثيرون بالله أقوياء به، نبطش بيده ونسعى بقدميه ونرى ببصيرته ونسري بأنواره ونستشرف المجاهيل بنورانيته و.. العالم كل العالم ضدنا، ومن كفانا منهم شرَّه لم يكفنا نفاقَه، ومن كفانا نفاقَه لم تحرك مظلوميتنا ضميره، ومن حركت مظلوميتنا ضميره يجبن عن أن يمد لنا يد العون والنجدة، ونربأ نحن عن أن نهيب به ليفعل، أو أن نلومه على عجزه الناجم عن جبنه وذلته.
اجتمع على حربنا مشرق الأرض ومغربها، واتحد في حربه علينا الفيل وطيور الأبابيل براً وجواً وبحراً، فلم نلوِ طالبين السلامة باحثين عن إبلنا نريق ماء الوجه ومعين النخوة في سبيلها، غير حافلين بما سواها من كرامة تطأها سنابك خيل الغزاة، وشرف يبصق عليه شذَّاذ الأصقاع؛ بل كنا نحن رب أرضنا وعرضنا وشرفنا وكرامتنا، فقطعنا خرطوم الفيل، ومرَّغنا مناقير طيور الأبابيل في مستنقعات عجزها عن أن تخمد سغب حواصلها بصيدٍ ثمين عدا الأطفال والنساء والعجزة والمكفوفين ومزارع الدواجن.
وحدنا ومن حولنا الأحزاب مجتمعة، كثيرون بالله وشبيهون بنبيه الأُمِّي وصفوة آله وأصحابه، غداة ضاقت عليهم الأرض بما رحبت لعدوهم، محصورين في بضعة كيلومترات من يثرب، مطوقين بحراب الحقد المطبقة على تخوم المدينة من الخارج، ومكشوفي الظهور لخناجر الغدر والغيلة والنفاق المنقوعة بسم التربص والمؤامرات داخل المدينة.
غداة يمسك اليأس ونفاد الصبر وانعدام الحيلة بخناق أصلب الرجال، فيستيقنون بأنها النهاية والحتف المحتوم، فيرفع النبيُّ معول العزم والتوكل على الله، ويهوي به على صخرة اليأس والخور وانسداد أفق الخلاص، ويصرخ: انفسحت لي الأرجاء فرأيت مدائن فارس، وانفسحت فرأيت قصور صنعاء، وانفسحت فرأيت عروش القياصرة والكياسرة تتهاوى..
شبيهون بالنبي والذين معه نصوِّب أهدابنا أبعد من خناق الحصار، منيعين إزاء أن يصبح الحصار فينا لا حولنا، نرسل أبصارنا في الأفق الرحب، فنرى انعتاقنا رأي اليقين، ونرى حتف قوى الحصار والعدوان رأي اليقين، و.. ننتصر.
ومن حيث لا بارقة أمل بالحسابات المادية المنظورة، يشرق سيد الثورة أبو جبريل، مزجياً سحائب وعد صادق وغيث أمل (مُخيِّلاً) بروق نصر وشيك للسائلين: (متى نصر الله؟!).
إنه حديث الإيمان، خلافاً لأعراف التحليل السياسي الصحفي... الإيمان الذي لم يعد قيمة نظرية وعظية محنطة على ورق مقررات التربية الدينية وكتب التفاسير والملاحم، بل بات واقعاً عملياً ملموساً يحسه اليمنيون ويتنفسونه ويعيشون تفاصيله طيلة عامين من عدوان كوني توافرت له كل أسباب النصر المنظورة، ولم ينتصر، في مقابل مقاتل يمني مؤمن وشعب متوكل صابر صامد تكالبت عليه كل موجبات الهزيمة والانكسار، و... انتصر.
بهياً باسقاً واثقاً متواضعاً مشرق القسمات، شديداً على تحالف قوى الاستكبار، رحيماً بإخوة الدين ونظراء الخلق، يطل أبو جبريل قائد ثورة المستضعفين، محذراً الجبابرة وأحزاب الفيل، لا متودداً ولا مفاوضاً قطيع الإبل عن إبله نظير البيت..
حذارِ و... لـ(حذارِ) ما بعدها حين يتكلم سيد الثورة.

أترك تعليقاً

التعليقات