رئيس التحرير - صلاح الدكاك

صــلاح الدكــاك / لا ميديا -

تمثل الشريحة الاجتماعية التي جرى ويجري تهجيرها بالأمس واليوم من الجنوب المحتل، قوة غير مدمجة في القوام الحربي البشري لتحالف الاحتلال والعدوان... منذ البدء عمد التحالف، ومن ورائه المدير التنفيذي الأمريكي والغربي، إلى تنضيب مصادر دخول الطبقة المتوسطة الدنيا (إن جاز التوصيف) عبر نقل البنك المركزي ووضع اليد على حقول النفط والمنافذ الإيرادية التي كانت تغذي خزانة الدولة وتمكنها من الإيفاء بمرتبات موظفي الجهاز الإداري للدولة. وقد استطاع التحالف من خلال هذا التنضيب مساومة قوة بشرية عاطلة ويائسة وفاقدة للأمل على الالتحاق بصفوف مرتزقته، جرياً وراء ما ينقده لها من عملة نفطية صعبة شحيحة أجل لكن فارق الصرف بينها وبين العملة المحلية يجعلها مغرية بالنسبة لعاطل حكومي اعتاد الاتكاء على مرتب شهري رسمي، بالإضافة إلى مداخيل موازية يجلبها له استثمار عمله في تخليص معاملات وتمرير تجاوزات وتقديم خدمات لزبائن في القطاع الخاص والتجاري، ثم فقد كل ذلك فجأة، في وقت باتت فيه فرص الكسب مرهونة بالاندماج في سوق الحرب التي نشبت مع بدء التحالف الأمريكي عدوانه على البلد.
غير أن الشريحة الأولى، المؤلفة من عمال الأجر اليومي والمحال التجارية وصغار الكسبة، والتي يجري تهجيرها اليوم بوتيرة أشد حدة ومباشرة، كان من الصعب دمجها في سوق الحرب لصالح التحالف، عدا النزر منها، فهي شريحة تؤثر في الغالب السلامة مع دخل شحيح منتظم على المجازفة مع دخل مرتفع مقرون باحتمال فقدان حياتها. ويدخل ضمن هذه الشريحة غالبية من عمال الاغتراب في المملكة السعودية تحديداً، الذين يتعرضون لإجراءات ترحيل مباشرة وغير مباشرة أسفر عنها عودة متزايدة لأعداد غفيرة منهم بصورة تصاعدية منذ السنة الأولى لبدء العدوان.
إن قسر هذه الشرائح على الاندماج في سوق الحرب اليوم هو أكثر إلحاحاً منه في وقت سابق، بالنسبة لتحالف عاثر تريد أمريكا تثمين ما تحت يده من جغرافيا محتلة لصالح تحقيق ما عجز عن تحقيقه لقرابة خمسة أعوام، وهو تأمين سيطرة بحرية مديدة من البر اليمني على ممرات الملاحة قوامها المثلث المائي من رأس العارة - باب المندب - الحديدة، وذلك عبر تدوير لافتات لصالح إنتاج أخرى مواتية للمضي صوب هذه الغاية الأمريكية، وهو سيناريو استشرفناه في مقالات سابقة في "لا" وبدأت مؤشراته تلوح للعيان في سعي واشنطن لإنشاء تحالف بحري بذريعة "حماية ممرات الملاحة التجارية بين هرمز وباب المندب"، والتي تزعم واشنطن أنها عرضة للخطر بفعل "تهديدات أدوات إيران"...
تريد واشنطن مبرراً يمكنها من إنشاء هذا التحالف المحدث كأمر واقع في مأمن من فيتو أو فعل مناهض له على أرض الواقع أو تحت السقف الأممي. وهذا المبرر هو التمكين لما يسمى "القاعدة وداعش" من استلام الراية في الجغرافيا المحتلة. غير أن هذه العصابات تعوزها دماء جديدة محتقنة وموتورة لتعويض فاقد خمسة أعوام من القتال تحت لافتات ما يسمى "الشرعية والانتقالي". وعند هذه النقطة تتمظهر حاجة المدير التنفيذي للاحتلال إلى تدشين حملات تهجير مقرونة بفرز مناطقي وطائفي ضد شريحة عمال المياومة وصغار الكسبة العاملين في الجغرافيا المحتلة أو مغتربات دول النفط... إن هذا التجريف المقرون بحقد ذي سمة أيديولوجية هو سبيل المدير التنفيذي لإعادة تعبئة قوة بشرية لديها الأسباب النفسية والاجتماعية والاقتصادية لتكون وقوداً لمحرقة جديدة يعتزم إشعالها. لكن أليس من الممكن أن تتسرب هذه القوة إلى الصف الوطني المواجه لتحالف العدوان والاحتلال للدوافع ذاتها؟!... أجل هذا وارد، ولتلافي حدوثه تتولى ماكينة العدوان الإعلامية في شقها "الإخوانجي الإصلاحي" تبني مظلومية هؤلاء (التعزيين بالخصوص والشماليين بالعموم) بصورة لا تحيل أسبابها إلى المدير التنفيذي للعدوان والاحتلال ومشروعه كمسؤول أساسي عنها ومنتج حصري لها، بل على نحو يعيد تدوير الاحتقانات الناجمة عن المظلومية لصالح محرقة الاستقطاب الداخلي ضمن حواضن (إصلاحية) مناطقية وطائفية معدة في تعز ومأرب المحتلتين. كطور أول فإن هذه الخطوة كفيلة -في حسبان مهندسي السيناريو- بأن تحول دون أن تصب هذه الاحتقانات في الصف الوطني المواجه للعدوان، كما وأن تُنضج مناخَ القطيعة الشطرية بين شمال وجنوب، حيث يتوقع المدير التنفيذي أن يحكم بذلك خناق الأمر الواقع على المفاوض الوطني، بحيث لا يجد بداً من القبول بحل شطري يسعى المبعوث الأممي - البريطاني لتمريره بحسب مؤشرات، في جولة تشاورية مرتقبة قبل نهاية العام الراهن.
بطبيعة الحال فإن المدير التنفيذي يخوض حربه العدوانية منذ البدء بهدف الاستحواذ على المثلث المائي الواصل بين بحري العرب والأحمر، والحل الشطري سيعني الاعتراف بسيادة صنعاء- القيادة الثورية الأنصارية، على الضفة الأهم من ضفاف هذا المثلث المائي والمتمثلة في الحديدة. ولمواجهة هذه الفجوة في السيناريو يتعين أن تنتقل لعبة الاستقطاب المناطقي الطائفي إلى طور ثانٍ قوامه تجيير القوة المستقطبة من خضم التجريف والتهجير والشحن الشطري لجهة أيديولوجية ترى في أمريكا عدواً لـ"السُّنة" وحليفاً لـ"الروافض الحوثيين والجنوبيين" ومتآمرة معهم على "الأمة السُّنية"، ولا سبيل للقصاص منها لمظلوميات "ضحايا هذه المؤامرة" سوى "القاعدة وداعش"، ففي مواجهة "بن بريك والزبيدي وشلال والحوثي الذين يغتالون علماء الأمة بتوجيهات أمريكية إيرانية إماراتية ويضطهدون أبناء تعز والشمال بسبب سنيتهم".. بحسب السيناريو، لا سبيل سوى الاصطفاف خلف "علي محسن والزنداني وصعتر والحزمي وبسام المحضار... للم الشمل المهدد بمؤامرات كونية تستهدف القضاء عليه"، وهي الأيديولوجية ذاتها التي جرى بها منذ الخمسينيات تحشيد وتعبئة مئات الفصائل التكفيرية بكنف إخوانجي واحد موصول بغرف الاستخبارات الأنجلوأمريكية.
إن ظهور "الزنداني إلى جوار حميد الأحمر" بعد غياب متعمد ومدروس هو إيذان مبطن ببدء الحاجة إليه بتوقيت ذروة التنكيل بالمسحوقين من أبناء الشمال في الجنوب المحتل. ليس بعيداً عن ذلك توجيه "حميد الأحمر" بنقل الإدارة العامة لشركة "سبأفون" من صنعاء إلى عدن.. إن مناخ عدن ليس مواتياً أكثر من ذي قبل لاحتضان إحدى أكبر استثمارات زعماء (7/7) في الوقت الذي يضيق بـ"المبسطين الشماليين" حتى يتخذ الأحمر هذا القرار! وبانتظار ترجمته عملياً يحسن بنا عدم استباق مغزاه بالتحليل.
إن المدير التنفيذي الأنجلوأمريكي -بطبيعة الحال- لا يثق، في المهمات التآمرية الكبرى، بغير (إخوانه العتيقين) أصحاب البنية التنظيمية السياسية والاقتصادية العابرة للحدود. وفي الوقت الذي تقول ظاهر الشواهد إن دور التسليم في الجنوب المحتل هي للأدوات التنفيذية المحدثة في "الانتقالي" فإن ما وراء السطور ينذر بسيطرة إخوانجية يجري ترتيب مسرحها في الظل، وإن تحت لافتات غير مباشرة، ويتمظهر خبر "استيلاء القاعدة على معسكر للشرعية في أبين علاوة على مفخخة الشيخ عثمان الأسبوع الفائت" كشاهد حي على أن دور التسليم هو للإخوانجية، وأن عدن وحضرموت ستكونان في مرمى جحافلهم قريباً، بعد تعز المحتلة التي استلموا زمامها في وقت سابق، ليشرعوا في ترجمة "مخاوف أمريكية من داعش أخرى في اليمن" تبني عليها واشنطن ما أخفقت في البناء عليه من أطماع قرصنة مشروعة وانفرادية مطلقة في البحر الأحمر.

أترك تعليقاً

التعليقات