المهفوف ولاعب النرد
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

هيكلة الاقتصاد الريعي بالأساس، وصراع أجنحة داخل بنية العائلة المالكة، وحربان إحداهما على اليمن (خارجية) والأخرى على مجتمع المنطقة الشرقية (داخلية).. هذا هو الثالوث الكفيل بزوال نظام بني سعود. يتعلق الأمر بالوقت فحسب.
المفارقة أن هذا النظام يفاخر بالمعادلة أعلاه كما لو أنها أمارة صحة، وكما لو أنه عثر أخيراً على الوصفة التي تضعه في عداد الدول العظمى.
حثيثاً يهرول بنو سعود شطر حتفهم بالقصور الذاتي لنظام وظيفي، عاجز عن اجتراح أفق للحياة عدا الاستسلام لشغفه في إشعال الحرائق يميناً ويساراً، وتوسيد حيازات المملكة المادية جميعها لمباضع صندوق النقد الدولي، والتناحر البيني حول من هو الأحق والأجدر بوراثة عرش (الزهايمر).
كشف ولي ولي العهد محمد سلمان، حتى اللحظة، معظم أوراقه وعطاءاته التي يراهن عليها في خلافة والده على كرسي الملك، لكن منافسه اللدود محمد نائف لا يزال يلعب بصمت في الكواليس، ولا ريب أن له أوراق رهانه الخاصة التي يعول عليها في كبح جماح نجل الملك المهفوف.
تشبه الحملة العسكرية الشعواء على مدينة (العوامية) شرق المملكة، إلى حد بعيد، حروب النظام اليمني الـ6 على (مران)، وبالذرائع ذاتها، فبنو سعود أحوج اليوم إلى تنضيج القناعة لدى الصهاينة والأمريكان إزاء خطر النفوذ الإيراني وتهديداته للمنطقة، وترتيباً على عجزهم عن خوض معركة مباشرة مع (طهران)، يعملون على استدعاء أشباح الخطر الصفوي إلى عقر دارهم، وينخرطون في حروب ضد طواحين هواء، استدراراً للعطف الصهيوني الأمريكي.. حروب لا ضفاف لها ولا مآلات صحية سوى السقوط الحتمي لنظام وظيفي مأزوم بنيوياً.
يقدم محمد سلمان كل حيازات المملكة، التي تمثل مداميك نشأتها، على طبق من الماس، لفئران الاستثمارات الأجنبية، ضارباً عرض الحائط بالعقد المضمر القائم بين سلطة تعفي رعاياها من الضرائب وتغدق عليهم المكرمات والهبات، من جهة، ورعايا يدينون للسلطة بالولاء المطلق من جهة مقابلة.
وبانفضاض هذا العقد لن يعود المشهد السياسي في المملكة إلى سابق عهده طيلة أكثر من 7 عقود، إذ إن التغيير العميق الذي يدشنه نجل الملك في الاقتصاد (استراتيجية 2030)، سيفضي بالضرورة إلى تغيير عميق في السياسة ومعادلة الحكم، وهذا هو على وجه التحديد ما تستهدفه (واشنطن) من وراء التصفيق لاستراتيجية (المهفوف)، واللعب في الظل مع (محمد نائف)، وحث التناقضات البنيوية السعودية على البروز للعلن تمهيداً لتفكيك المملكة بصورة ناعمة، بحيث تنشأ صيغة حكم أخرى بطيف سياسي واسع تدين كل مكوناته بالولاء للأمريكان، وتبقي على خطام المملكة المتهاوية في قبضتهم، تلافياً لنشوء معادلة وطنية مناهضة لهيمنة (واشنطن، تل أبيب)..
خسر بنو سعود حربهم على اليمن قياساً بالأهداف المرجوة منها، فاستعرت نار التناقضات الداخلية السعودية - السعودية، والخليجية ـ الخليجية، وهربت العائلة المالكة، إثر ذلك، إلى إطار (تحالف إسلامي للحرب على الإرهاب)، العام الفائت، واليوم يجري الحديث عن إنشاء (ناتو عربي) برعاية أمريكية، وفي كل الأحوال، فإن بني سعود، إذ يحاولون النجاة من مستنقع، يقعون في مستنقع آخر، مدفوعين بالذعر من تلاشي وجودهم، الناجم عن ارتدادات إخفاقاتهم على مستوى أكثر من ملف في المنطقة، وفي إطار (تحالف إسلامي) أو (ناتو عربي)، فإن المؤكد أن المملكة ليست أكثر من خزانة مالية يتعين عليها أن تدفع مقابل شراء طمأنينة مستحيلة، حتى ولو كان الثمن عرض أصولها النفطية للبيع تحت مسمى (الهيكلة)، وهو ما تفعله حالياً.
في هذا السياق، لا يتحرج الرئيس الأمريكي ترامب من اعتبار زيارته إلى الرياض، مكسباً ينبغي أن تشكره عليه وسائل الإعلام الأمريكية التي يقول إنها (تظلمه كما لم تظلم رئيساً من قبل)، رغم أنه نجح بصورة جلية في مضاعفة أرباح الصناعات الحربية عبر مضاعفة دفق الأموال الخليجية، السعودية بالأخص، كنتيجة لاستثماره في ذعر أنظمتها حيال (الخطر الإيراني)، وفي وقت سابق لفوزه بالرئاسة، وصف هذه الأنظمة بـ(البقرة الحلوب) صراحةً..
المؤكد أن الاتفاق الأممي حول (الملف النووي الإيراني) سيبقى قائماً باعتباره معادلاً موضوعياً لعجز أمريكا وأدواتها في شن حرب مباشرة على (طهران)، وعليه فإنه لا خيار اليوم أمام إدارة ترامب، لمحاصرة النفوذ الإيراني، وطمأنة (إسرائيل)، سوى التشبيك بين مجمل أدواتها في المنطقة عبر صناعة (ناتو عربي) تتولى البقرة الحلوب تمويله، كأعلى سقف ممكن.
وفي كل الأحوال، فإنه ما من مكسب يبرر للسعودية فرحتها بالعلاقة الحميمة التي تربطها بالمجنون (دونالد ترامب) الذي لن يقدم لها أكثر مما قدمه سلفه (أوباما)، عدا أن هذا الأخير بارعٌ للغاية في استثمار سقوطها بوصفها (الرجل العجوز والمريض) الذي يحتضر على تخت من ذهب.

أترك تعليقاً

التعليقات