رئيس التحرير - صلاح الدكاك

الخيط الأبيض من الخيط الأسود في اتفاقية السويد
غريفيتث:المحارب بتراث أسلافه

طارق عفاش هو غطاء الدعوى (الشمالي) الوحيد في الساحل الغربي التهامي، والذي تعده الإمارات (لندن ـ واشنطن) لسد ثغرة (الشرعية) التي طويت صفحتها ولا ريب بـ(اتفاقية الحديدة)، و(أحمد علي) الذي جرى تصعيده لعضوية الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي في الداخل (يعقد مؤتمره العام عما قريب) سيسد ـ في ما يسمى (آزال) ـ ثغرة انمحاء الأحزاب الوكيلة للغرب بفعل التحاق أماناتها العامة بمشروع العدوان العاثر، وعجزها عن إيجاد جسر تسووي يعيدها للمشهد بعد طي (شرعية الرياض)...
وفي تعز، يبدو واضحاً أن موضعة الإصلاح (ذي البيعة الإماراتية) مؤخراً كبديل للمؤتمر الإماراتي، هي ترضية يرتب عليها مهندسو التحالف ريوعاً لجهة إبعاد قطر من محاصصة النفوذ، وتهيئة ملعب للاقتتال الداخلي البيني (إقليمياً كأمر واقع في الشمال) الذي عجز التحالف عن ترويض جغرافيته للاحتلال بصورة مريحة (هذا يفسر ظهور أمين محافظ الحكومة العميلة في الرياض بصحبة شوقي هائل، قبل أيام، في لقاء مع سفير المملكة آل جابر)، ما يعني توافقاً إماراتياً- سعودياً على خطوة تبديل الحراسة تبعاً لرؤية بريطانية ـ أمريكية لما ينبغي أن يكون عليه مشهد البلد في راهن المشاورات الجارية ومستقبل التسوية الضامنة لغايات العدوان في خطوطها العريضة والرامية لتمزيق النسيج الديمغرافي عبر إعادة موضعة أدواته على هذا النحو (لذا فإن من المتوقع اشتداد الضغط العسكري على الجبهة الغربية لتعز من جهة مقبنة - حمير - الوازعية – الكدحة، والهجوم الأخير الذي شنته قوات التحالف عبر معسكر خالد هو رأس حربة لهجومات ستستمر، وبالأخص مع أزوف موعد مشاورات الجولة الثانية التي ستتناول بصورة رئيسة ملف تعز)...
في مأرب، اندلعت اشتباكات عنيفة لا تزال مستمرة بين قوات التحالف و(أشراف وادي عبيدة بمؤازرة من قبائله لاسيما آل طعيمان). ويأتي هذا عقب الانتصار الساحق للجيش واللجان في صرواح، وسيطرته على جل مساحة المديرية وصولاً إلى المرتفعات الحاكمة المطلة مباشرة على مركز المدينة وعاصمة المحافظة... تعقيدات مأرب الاجتماعية القبلية هي ما يجعلها عصية ومفارقة لتعز التي لا يعوز التحالف الكثير من الجهد لتدوير موازين القوى التابعة له فيها دون ممانعة تذكر ولو لحظياً وفي راهن هذا التوجه، بينما تبدو كلفة أمر كهذا في مأرب كبيرة، ويتجلى بعض هذه الكلفة في الاشتباكات الأخيرة الناجمة عن عجز التحالف في إدارة تباينات المحافظة قبلياً لجهة مشروعه التفتيتي مع كسب ود الطيف الاجتماعي المحايد (المسلح) أو المنخرط في المواجهات على الضفتين خارج غطاء القبيلة عرفياً وخارج فضائها التعاقدي القبلي (ميثاق الشرف القبلي الذي جرى التوقيع عليه مع بدء العدوان، كما والوفاق السياسي لاحقاً، أوصد عديد ثغرات استراتيجية -عسكرية وجيواجتماعية- كانت لولاه مواتية لمخططات تحالف الاحتلال).
كان واضحاً منذ البدء أن تحالف العدوان يهدف للإجهاز كلياً على (أشراف مأرب)، وبالأقل دفعهم تحت وطأة الاستهداف المتواصل لمغادرة وادي عبيدة بلا رجعة، كتوجه وهابي يرمي لتخليق بيئة داعشية صرفة بديلة لبنية مأرب بتعدد طيفها الاجتماعي دون استثناء... يحدث الأمر ذاته، وبالتزامن، في شبوة، في صورة الهجوم الكبير لميليشيا الإمارات المسماة (النخبة الشبوانية) على قرية (السادة - آل المحضار - مرخة)... وهذا يفضي للحديث عن توجهات التحالف في الجنوب كامتداد لرؤيته التفتيتية ذاتها، والتي تستهدف مجمل الجغرافيا والديمغرافيا اليمنية انطلاقاً من الجغرافيا المحتلة الموضوعة على جادة مخططات التفخيخ الممنهج بما يفضي لعزل غير المحتلة، وجعلها هدفاً مستداماً للاضطرابات المصدرة وعدم الاستقرار وصولاً لكسب إذعانها.
الجنوب في معظمه يمثل الرصيد الاحتلالي الأكبر للتحالف، ومن السذاجة أن يحلم (الانتقالي الإماراتي) بدولة انفصالية عليه يعده بها أربابه، فالحاجة الآن هي إلى تمكين (داعش ودولة الخلافة المزعومة) من زمام القوة والنفوذ في الجنوب، باعتبارها المكون الأجدى والذريعة المثلى في نظر (لندن- واشنطن) لاستعادة النفوذ الغربي الإمبريالي المنحسر بحراً بفعل الصمود اليمني الفارق وبسالة المواجهة العسكرية والسياسية التي أدارتها صنعاء الثورة ضد تحالف عدوان أدواته، وأفضت لفتح ثغرات نوعية في المسرح المائي واليابسة (الشرق أوسطية والخليج) لخصوم الهيمنة الإمبريالية الإقليميين والدوليين، توجت بـ(انسحاب أمريكي مهين من سوريا) كما وبـ(اتفاقية الحديدة).
إن تجييش جماعات العنف التي استولدها الاحتلال في الجنوب عسكرياً، والتي يعد ما يسمى (القاعدة وداعش) أطولها باعاً وأوسعها انتشاراً وأكثرها عديداً، يضع الجنوب على مشارف دوري تصفيات دموية ممهدة لإعلان (دولة الخلافة الداعشية)، فضلاً عن (دولة الانفصال)، وهذا فقط -في تقدير الغرب الإمبريالي- السبيل الأوحد للإبقاء على زمام نفوذه الكوني في هذه الجغرافيا الإقليمية رهن قبضته، كما ويتيح له المضي في استراتيجية (معاداة إيران) وضمان (أمن إسرائيل)، علاوة على تكبيل الكتلة الاقتصادية الآسيوية الناهضة بقوة بقيادة الصين، بالمفاهيم وإشارات المرور الأمريكية، على الأقل بما يضمن للغرب الإمبريالي تقاسماً بحصة أعلى للنفوذ مقابل زحف منافسيه المتسارع في عرينه الحيوي وفي المسرح الأممي والمجتمع الدولي.
يدير المبعوث الأممي الراهن العملية التشاورية متكئاً على أرشيف بريطاني عامر بالخبرات والتجارب، ويعتمد (غريفيتث) في هذه الإدارة مبدأ (فرق تسد)، وهو المبدأ ذاته الذي اعتمده آباؤه في المستعمرات البريطانية..
تجزئة الملفات المؤلفة لمجمل (الأزمة في اليمن)، وأخذ كل ملف منها إلى اتفاق منفصل وعلى حدة، يمثل تجليات المبدأ الاستعماري الشهير الآنف، في أداء (مارتن غريفيتث).
لدينا اليوم جبهة محكومة بقواعد اشتباك تنتمي لمضمون (اتفاقية السويد ـ الحديدة)، وسيستمر السجال في هذه الجبهة حول تأويل الاتفاقية وتراشق إحصائيات خروقات (وقف النار) على جانبي الاشتباك، بينما سيتركز ضغط تحالف العدوان أكثر فأكثر على جبهات الحدود والجوف وإب و(غرب تعز)، وسيكون أفدح خطأ يُرتكب ـ بالركون على المشاورات والاتفاقية ـ هو انحسار موجات النفير الشعبي لرفد الجبهات بالعديد والعتاد، فهذا تحديداً هو ما يستهدف المبعوث البريطاني تحقيقه، ويتيح لمجمل أشكال إعادة التموضع التي شرع فيها التحالف والمشار إليها بدءاً، أن تؤتي ثمارها القبيحة لجهة شرذمة المشهد الصامد المتماسك داخلياً، وتخسير الجيش واللجان مكتسباته الميدانية في عمق العدو وأراضيه، ومن ثم إفقاد المفاوض الوطني معظم وزنه السياسي المتكئ على معطيات ميدانية وازنة لن تعود كذلك فيما إذا أمكن للعدو تحقيق هذا الاختراق الزاحف بنعومة في ظل العملية التشاورية.

أترك تعليقاً

التعليقات