رئيس التحرير - صلاح الدكاك

لا يمكن القفز على حقيقة أن هناك مزاجاً اجتماعياً في الجنوب اليمني، لايزال أصحابه يعتقدون بأنهم في الطريق الصحيح المفضي إلى فك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية (غير معلومة السمات والملامح والتوجُّه). 
أكثر من ذلك، فإن أصحاب هذا المزاج لا يزالون يحسنون الظن بمَرْكِب تحالف العدوان السعودي الأمريكي، معتقدين بأنه يبحر بهم صوب ضفة الحلم الوردي، حتى وهو يثخن بسواطيره لحم البنى الاجتماعية اليمنية بالعموم، تمزيقاً وتقطيعاً وذبحاً، ويغرق اليمن حواضرها والأرياف بالمسوخ والقصَّابين والقتلة المأجورين.
منذ البدء جنَّد تحالف العدوان نفسه لإنقاذ بلدوزر (الأقلمة) التفتيتي الذي أعطبت جنزيرَه ثورة 21 أيلول، وبالنتيجة فقد حالت هذه الثورة دون نجاح مخطط الالتفاف على (القضية الجنوبية)، عبر تقسيم الجنوب إلى إقليمين، وفتحت بالتوازي فضاءً وطنياً رحباً وواعداً بمقاربات جريئة تنجز حلولاً جذرية لجملة المظلوميات المحلية الناجمة - بالأصل - عن عقود الوصاية وسياسات سلطة وكلاء مركز الهيمنة الامبريالية.
لم يَعِد تحالف العدوان السعودي الأمريكي الجنوبيين بـ(الدولة الحلم)، ولا بالنظر في مظلوميتهم. كان واضحاً حد البشاعة، فاتخذ من هذه المظلوميات شمالاً وجنوباً، وقوداً، ومن هياكل أصحابها سلالم مذللة لتمكين السلطة المنتجة لكل المظلوميات المحلية والمنهارة بفعل الثورة، من العودة إلى سدَّة الفعل والنفوذ والحكم على أنقاض البلد برمته.
وإذ يفشل تحالف العدوان السعودي الأمريكي في إغراق (صنعاء) بالنفايات التي لَفَظَتها في 21 أيلول 2014م، فإن (عدن) تنوء بحملها كـ(عاصمة مؤقتة للشرعية) وفق تسمية (بحاح) وجوقة بهلوانات البلاط الخليجي لها.. 
على أكتاف ضحايا 7/7، يقف اليوم (علي محسن وأسرة الأحمر الدموية، وهادي، وكتائب الموت الإخوانجية والأفغان العرب) وخلطة معقدة من عصابات الجريمة الدولية وشذاذ الآفاق العاملين كجنود بمعية التحالف المحتل.
إلى ذلك، فإن المدينة التي يحلم السذَّج في أن تكون (عاصمة لدولة فك الارتباط المتوهمة) على يد (الرياض وأبو ظبي)، باتت مؤخرة تنكفئ إليها زحوفات تحالف العدوان الخائبة، في تعز، والضالع، والبيضاء..، في الوقت الذي تعمل قيادة التحالف على سلخ حضرموت بمثابرة بحيث يصبح الجنوب محض ذكرى، كنتيجة لرهانات تعافيه على حساب العافية العامة لنسيجه الاجتماعي التاريخي وبمبضع غير وطني.
ويلجأ تحالف العدوان إلى عسكرة الحزازات المناطقية الجنوبية - الجنوبية، والجنوبية- الشمالية، في لعبة تدمير ذاتي زهيد الكلفة على خزانته وجزيل المردود على مخططاته الرامية إلى خض المشهد الجنوبي اليمني والإبقاء على اليد الطولى له في خضم قوى ضعيفة متناحرة، يديرها من مسافة عتمة متنصلاً من تبعات احتلاله.
المحطة القادمة لـ(دواعش ومقاولة تعز)، في هذا السياق، ستكون (عدن)؛ حيث يجري تشكيل ألوية وتدريبها في (قاعدة العند)، للدفع بها إلى فوضى مدينة لا ينقصها الفوضى، والأرجح أن قيادة التحالف قد أوعزت (لتجمع الإصلاح- الإخوان) معاودة تبني (شعارات وحدوية) في مواجهة مطالبة (قيادات حراكية) للتحالف بـ(حق تقرير مصير الجنوب).
انسحبت الواجهة الإخوانية بصورة تكتيكية من (تعز) التي أخفق العدوان في سلخها عن الخارطة، لتكون هذه الواجهة غطاء لاحتراب شمالي - جنوبي، تم الإعداد له على الساحة العدنية، ويرى مراقبون أن انتقال (حمود المخلافي ونجله وشقيقه) هو امتداد لهذا المخطط.
بالتزامن مع ذلك، تنشط دعوات تطالب بتهجير أبناء الشمال الذين يطلق عليهم الموتورون (عرب 48)، وإذ يتوقع تحالف العدوان أن ذلك قد يأتي بنتيجة عكسية، مضمونها تنضيج ظروف اجتماعية ملائمة لمقاومة الاحتلال بالتشبيك مع القيادة الطليعية لثورة 21 أيلول، فإنه يستبق تداعيات متوقعة كتلك، بتوفير غطاء (إخواني) لــ(الشماليين) العرضة للاستفزازات، في مواجهة المجتمع الجنوبي، بمنأى عن التفكير في مواجهة الاحتلال.
إقرار (بحاح) و(هادي) و(شلال شائع) بأن اليد الطولى في الجنوب باتت لـ(القاعدة وداعش)؛ بعد ما يسمونه (إنجاز تحريرها)، هو مواربة متعمدة لحقيقة الاحتلال القائم، والتي تعمل عصابات القاعدة وداعش بمعيته منذ بدء العدوان، من جهة، ومن جهة مقابلة فإن مأزق السعودية العضال في جنوب المملكة، يجعلها بحاجة إلى انسحاب صوري من واجهة المسؤولية عن أوضاع الجنوب المتردية، وإفساح مجال يخول للإدارة الأمريكية التدخل مباشرة في (عدن، شبوة، حضرموت) تحت يافطة الحرب على داعش.
المكاشفة البريطانية الرسمية في الآونة الأخيرة بتورط (لندن) في دعم (الحرب على اليمن) عبر صفقات سلاح وتعاون استخباراتي، تأتي في إطار التهيئة لبروز أصابع المخرج الأمريكي البريطاني، من كواليس رعاية العدوان، إلى واجهته، لإدارة الإخفاقات التي مُني بها تحالف الوكلاء، وتوجيه دفة التداعيات في الجنوب بعيداً عن ضفة الاستثمار الروسي الصيني لها، عبر توثيق هذين الأخيرين صِلاتهما (بصنعاء 21 أيلول).. كما ومحاولة السيطرة الاستباقية على دفة إدارة قواعد الاشتباك في المثلث المائي الممتد بين البحرين (العربي والأحمر).
لا بيدو حتى اللحظة أن الساحة الجنوبية مهيأة لتشبيك وطني شمالي جنوبي يفضي إلى مقاومة الاحتلال، والحيلولة دون جعل الجنوب منصة بحرية للأمريكان والبريطانيين في سياق الصراع الدولي، وخنجراً في لحم النسيج الوطني شمالاً وجنوباً.
قد تتأخر إفاقة الجنوبيين من غيبوبة التعويل على استعادة (دولة فك الارتباط) بإسناد من قوى الاحتلال..
لكن هذه الإفاقة حتمية الحدوث كما يؤكد التاريخ..
يتعلق الأمر في التسريع من حدوثها على همة ووعي القيادة الطليعية بمخاطر اللحظة الراهنة، كما وعلى الشرفاء من أبناء الجنوب.. 
إنها مسألة وقت لا أكثر.

أترك تعليقاً

التعليقات