رئيس التحرير - صلاح الدكاك

في حارتنا كولومبيون وجنجويد
سنزاول ما يمكن تسميته «تمرين تبديل المواقع» على مصاف كل «هوية افتراضية» داخل خلطة الهويات الملتبسة والمحتربة التي يحاول مطبخ النظام العالمي الجديد تمريرها في اليمن عبر العدوان المباشر وغير المباشر، وعبر شبكة المنظمات الأخطبوطية الناشطة منذ 1990م تحت لافتات «التنمية السياسية وحقوق الإنسان»..
يهدف مهندسو النظام العالمي الجديد إلى إعادة إنتاج كرة أرضية لا تدور حول الشمس، وإنما تدور حول مركز جيوسياسي كوني قوامه المحافظون الجدد الأمريكيون مُلَّاك الاحتكارات الصناعية الكبرى الحربية وغير الحربية، حيث يغدو الزمن أمريكياً والعالم مسرحاً فسيحاً،تنتظمه الثوابت الأمريكية، وتلعب شعوبه دور عرائس دمى موصولة الخيوط بأصابع المركز الذي يمنحها أو يسلبها القدرة على الحركة من عدمها!!
إن كل الأديان والنظريات والأفكار والهويات والتوجهات - على تباينها واحترابها - هي أوعية لمصالح المركز ومرايا تعكس صورته وانفعالاته ونزواته، بوصفه الواحد الأحد مستوياً على عرش السيطرة المطلقة وسدرة منتهى العالم والتاريخ.
لنبدأ تمرين تبديل المواقع داخل خلطة الهويات المحتربة التي يسوِّق لها ويفرضها النظام العالمي الجديد، واضعين في الحسبان أن أي هوية لا تقوم على احتراب مع «آخر» ليس مرحَّباً بها في هذا التمرين..
أنا إنسان؟! «هوية»
أنت إنسان؟! «هوية»
كلانا يتشاطر ذات الغرائز والرغبات والحاجات. 
أنا أجوع وأعطش وأتوعك و.. و.. كذلك أنت!
أنا إنسان و «هتلر» إنسان، و «أوباما» إنسان و «أبو بكر البغدادي» و «سلمان بن عبدالعزيز» و «الحمدي» و «غاندي» و «نيرون» إنسان..
على مصاف الغرائز والحاجات تنتفي التباينات والاحتراب، ويتماهى الــ «أنا» في «الآخر» ولا تتحقق الهويات ولا تصمد الإنسانية كخيار في التمرين؛ ويتعين الانتقال إلى طور جدلي أضيق وأكثر واقعية من «الإنسانية» كهوية مجردة.
أنا: جائع لا أجد كفايتي من الطعام في حدها الأدنى.. «هوية».
أنت: متخم تستحوذ على حصة فوق حاجتك من الطعام «آخر».
أنا: أعرض قوة عملي بحثاً عن الكفاف..
أنت: تستغل حاجتي إلى الكفاف فتبخس قوة عملي..
أنا وأنت نعتنق ديناً واحداً ونحمل جنسية بلد واحد لكننا محتربان على محك تفاوت حصتينا في الإشباع كطرف فاعل في الاستغلال وطرف آخر مفعول به.. لا يمكن للدين ولا للبلد أن يدحض علاقة الاحتراب بيننا ويوحدنا في إطار هوية إلا بنفي الاستغلال.
 وفقاً لذلك فإن الدين وجنسية البلد الواحدين ليسا إلا تعبيراً عن حاجة أحدنا للعمل في سبيل تحقيق الكفاية أو حاجته للاستحواذ والتخمة وحرمان الآخر من تحقيق الكفاف.
عند هذه النقطة من الجدل تبرز حاجة النظام العالمي الجديد إلى أديان وآلهة تمجد الاستغلال وتحيل المسحوقين والمحرومين إلى «الجنة» عبوراً على جثث وأشلاء بعضهم البعض، باستفراغ طاقة الصراع الكامنة فيهم والموجهة ضد الاستغلال، وتحويلها إلى طاقة مجندة في خدمة رموز الاستغلال وموجهة ضد نظرائهم من الشرائح والطبقات والشعوب المسحوقة والواقعة تحت نير التفقير والحرمان ذاته من قبل ذات الرموز والمركز..
تتولى معامل المحافظين الجدد «النيوليبراليين» في هذا الطور تنمية وإنتاج هويات تلبي حاجتها لتقطيع عُرى النضال الطبقي، بما يمكنها من أن تحارب بالكل ضد الكل ويضمن لها طريقاً ممهدةً إلى كل العالم عبر كل العالم.
إن الآخر العدو بالنسبة للهويات المحتربة بالتهجين المعملي لا يعود تلك الطبقة أو السلطة أو المنظومة المنتجة لتعاستنا ومظلومياتنا كشعوب وطبقات من خلال سياسات التفقير والاستحواذ ومركزة الثروة والوصاية والهيمنة والاحتلال وصنوف أشكال الاستغلال..
إذ إن صناعة تلك الهويات المعملية تقوم على تنمية الإحساس بالألم الناجم عن المظلوميات لدى البنى الاجتماعية، لا على الوعي بالآخر المنتج للمظلوميات..
وعندما تنتكس الهوية من مصافها الطبقي ذي الأبعاد المادية المنظورة، إلى درك الروابط المغلقة والقائمة على وهم التجانس العرقي والمناطقي والقومي والديني، تغدو المظلومية ذاتها هي الهوية، ويغدو النضال في سبيل الخلاص من تلك المظلومية عملاً معادياً في منظور المظلومين ومؤامرة تستهدف الهوية بالمحو..
أنا يمني.. هوية.. و «علي محسن، وحميد الأحمر» وقائمة رموز الإقطاع يمنيون أيضاً..
لا صراع على هذا المصاف الوطني مجرداً من بعده الطبقي وطبيعة علاقات الإنتاج في سياق جدل إشباع الحاجات القائم على توظيف واستغلال الخيرات المادية وحصص الأطراف منها.
أنا يمني سني - عربي.. و «سلمان بن عبدالعزيز» عربي - سني.. السعودية لا تشن عدواناً قذراً على اليمن، وإنما تدافع عن بلد شقيق في مواجهة أطماع «إيران» التي تخطط لاحتلاله.. إيران ليست عربية ولا سنية، إذن فإنها هي «الآخر العدو».
أنا جنوبي عربي - الشمال يمني..
عبدربه هادي جنوبي عربي - عبدالفتاح إسماعيل شمالي يمني، «هادي» لم يكن أحد قادة اجتياح الجنوب وتدمير الدولة والجيش والمؤسسات فيها عام 1994م، «فتاح» هو من استولى على الدولة الجنوبية منذ وقت مبكر بوصفه اختراقاً شمالياً أسفر لاحقاً عن احتلال شمالي كامل لعموم الجنوب.
الإمارات جنوب عربي- وقواتها في «عدن» و «أبين» وسواها من المحافظات قوات تحرير..
«جلال بلعيدي والفضلي وباتيس» ليسوا إرهاباً بل جنوبيون.
القوات النظامية من حرس جمهوري وأمن مركزي، والشماليون من عمال وباعة وحرفيين هم الإرهاب.
إن لعبة تضييق الهويات وتوسيعها على هذا النحو من الفرز الذي تحارب أمريكا الكل بالكل من خلاله، هي لعبة مرهونة بطبيعة العدو الذي ترشحه أمريكا كهدف لهذهالطاقة الاجتماعية السليبة والمحشورة في قماقم موصدة.. ولا تغدو مفارقة أن قوى ورموز الاستغلال هي «حليف المحرومين والكادحين والمقهورين» في كل أطوار اللعبة الهزلية القذرة والمقيتة تلك..
تمرين «تبديل المواقع» على مصاف الهويات الافتراضية التي ينسج مركز النظام العالمي الجديد شرانقها لشعوب المنطقة وبلدانها، بحيث تغدو فتافيت شعوب وكيانات مجهرية، تمرينٌ مفيد وناجع في تجسيد بشاعة الهاوية التي يُزج بنا فيها وتقريبها لأذهان الكسالى والمغرر بهم، على عتبات 30 نوفمبر الاستقلال وديسمبر حصار السبعين يوماً..
يتطلب الأمر جرأة الخروج من الشرنقة والنظر بمستوى حذاء مرتزق كولومبي أو جنجويدفي الحد الأدنى.. حذاء يتجول بحُرِّية في حارتنا التي باتت بعيدة المنال على أذهان أهاليها النازحين عنها بفعل سواطير الفرز الأمريكي المعولمة.

أترك تعليقاً

التعليقات