رئيس التحرير - صلاح الدكاك

لم تبعد عليهم الشُّقة، ولا غلبت عليهم شقوة التثبيط والركون للسلامة وأغرام المسافات، ولا كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً، حين اتبعوك في زمن العسرة يا أحمد الثورة، احتفاءً بذكرى ميلادك الذي كان ولا يزال فاتحة الخلاص للبشرية المستضعفة.
تقاطروا إليك تقتفي خطواتهم العقبان الإلكترونية السغبة للأشلاء والدم، وتتشمم آثار سيرهم أقمار العتمة ومسابير الظلمات بعيونها الفارغة المطفأة وعسسها من سماسرة اللحم البشري وذراري أبي رغال وزواحف الأرض، ونباشي القبور..
تقاطروا إليك أنصاراً كأول عهدك بهم، وبسخاء البذل وفدائيته ذاتهما وضعوا ملايين السواعد الحرة الغيورة مجاديف رهن إيماءة من طرفك النوراني، وقالوا (خض بنا البحر..)، وفعلوا فخاضوه باسمك وتحت لواء الولاء لك والبراء من أعدائك وشانئيك، ولم تكن يا أحمد الثورة في كل ملاحم أنصارك اليمانيين المحتدمة اليوم، محض ذكرى ميلاد وراء ظهورهم، وإنما كنت ولا تزال قائداً معزراً موقراً منصوراً نصب أعينهم وجوارحهم يأمر فيطاع ويناجز ـ في مقدمة خميس الأنصار ـ بالكلمة والبندقية والرؤية النافذة والصواريخ بعيدة المدى..
مهجوراً يتيماً في حاضنة ميلادك الزاهي بمكة كنت، ومهجوراً يتيماً في مثوى رفاتك الطاهر بيثرب صرت اليوم، يرمل ويهرول يهود خيبر العصر ومنافقوه وطلقاؤه شامتين، قيد أنامل من مرقدك الشريف، وكنا أنصارك بالأمس والمهاجرين إليك في الراهن، ننتصر بك لك في مقارعة المستكبرين وأكلة لحوم البشر وعبدة شياطين وأوثان السوق الكونية..
في صورة وسمت سيد الثورة أبي جبريل تتجلى أنوار هديك يا أحمد الثورة، ومن محياه يشرق بدر حكمتك وبصيرتك، ومن سبابته بيرق سيف عدلك وجهادك، تماماً كما يتناسل ـ على الضفة النقيض ـ مشركو مكة ومنافقو يثرب وطلقاء الفتح ومستكبرو بني أمية وبني العباس، في صورة وسلوك الأمريكان والصهاينة وبني سعود وبني نهيان ومشيخات البترودولار..
وكما وقفت يا أحمد الثورة لتقطع رجاء مساوميك على الحطام من أئمة الاستكبار، صادحاً (والله لو وضعوا...)، يقف اليوم بضعتك الأنقى أبو جبريل في طليعة شعب الأنصار، ليقطع رجاء أئمة الاستكبار الكوني صادحاً ملء الدنيا:
(لا انسلاخ عن هويتنا الإسلامية وحريتنا وكرامتنا واستقلالنا إلى حضيض العمالة والنفاق، ولا تفريط في السيادة، ولا ارتهان لأمريكا وإسرائيل..
متمسكون بقضايا أمتنا، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ونقف ـ مؤكدين مجدداً ـ مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية في التصدي لأي عدوان إسرائيلي قادم..).
لقد يئس شياطين تحالف قوى العدوان الأمريكي، من أن يُعبَدوا على أرض يمن الأنصار في واقع الحال وتأكيد أبو جبريل على هذه الثوابت بعد 3 أعوام من بسالة الصمود اليمني في وجه ضراوة محاولات التركيع الكوني متعدد الأشكال، هو بمثابة تعميد شهادة وفاة فعلية لآمال العدوان العريضة، التي يتكتم التحالف عليها، ويجبن إزاء سفور حاجته للإقرار بها..
في المقابل يواصل سيد الثورة، من منبر ذكرى المولد النبوي الشريف، دفن جثامين بقية آمال تحالف العدوان، الواحدة تلو الأخرى، أمام الملأ اليماني الملاييني المشهود الخميس الخالد وغير الفائت، في ميدان السبعين بالعاصمة اليمنية صنعاء، كما وأمام العالم الشاخص جوار شاشات التلفزة..
نؤكد ـ بالتزامن مع الـ30 من نوفمبر الاستقلال والجلاء ـ عزمنا على تحرير جنوب اليمن جنباً إلى جنب مع أحرار الجنوب، وتحرير التراب الذي يرزح تحت دنس المحتلين القدامى الجدد، جنباً إلى جنب مع الأحرار والشجعان الأوفياء في المناطق الشرقية، وكل بقعة طاولها دنس الاحنلال من ترابنا اليمني الطاهر..
وإذ يراهن العدوان تحت وطأة خيباته على ما أمكن له السيطرة عليه من جغرافيا اليمن الآنفة، كمكسب وحيد لمواربة مساحة إخفاقاته الشاسعة ميدانياً وسياسياً، فإن سيد الثورة يجعل من إسناد الأحرار في مجتمعات التراب المحتل أولوية ملحة للدولة على طريق التحرير، جازماً بإمكانية تحقيق الانتصار إذا توافر هذا الدعم والإسناد لأبنائها.
إنها لحظة يمنية منتصرة بلا لبس، حيث سيد الثروة يملي ويقرر دون الحاجة إلى أن يأمل ويرجو، إزاء عدوان ذوت قدرته الاستراتيجية على استمطار لحظة أمل، ولم يبق منها سوى قدرة سحرته الكونيين على استرهاب أفئدة ضعاف النفوس وخداع أبصارهم بأفاعي التثبيط الأممي والمحلي اللاعبة دور ملائكة رحمة تحذر الناس من عذابٍ أليم إذا لم يهنوا ويرضخوا لزبانية الخليج وواشنطن وتل أبيب..
إنها لحظة يمنية منتصرة لا يقف خلالها سيد الثورة وقائدها في لبوس الذلة البراغماتية ليستسقي غيث شفقة زبانية الأرض وجلاديها، ولا يدهن في ثوابت المواجهة ليدهنوا، وإنما يقف ليغيث المستضعفين في شتى بقاع الأرض من شعب الجزيرة الذي يجدد أبو جبريل مساندته لهم ضد نظام البطش السعودي، إلى شعب فلسطين حيث العهد له قديم بالانخراط الأنصاري عملياً في صفه ضد أي عدوان إسرائيلي مقبل، كما وشعب لبنان..
ودون الركون إلى جدوى الليونة الدبلوماسية، في مثل هذا المنعطف العصيب بالإجماع من ظروف البلد، يقرر سيد الثورة أن استمرار العدوان في إغلاق المنافذ اليمنية، وعلى رأسها ميناء الحديدة، سيقابل من الجانب اليمني بخطوات حاسمة تستهدف المواضع الموجعة بشدة التي نعرفها جيداً ـ حد وعيد السيد صدقاً لا استرهاباً فارغاً.
إن جدارة المواجهة بهذا الزخم تقتضي لجم الاختراقات التي طاولت بعض مكونات الداخل حفاظاً على وحدة الصف، ومنعاً لإثارة الفتن الرامية لتمكين العدو من مكتسبات الصمود بعد نحو 3 أعوام من خيباته وفشله، كما أن مكونات الداخل ينبغي أن تتحرك جدياً وبالفعل لا بالكلام في جبهات التصدي للعدوان، وهي موجبات جلية الأهمية للعيان يعاود سيد الثورة التذكير بها للمرة الألف في خطاباته منذ بدء المواجهة، ولا يبدو أنه يفعل ذلك اليوم من قبيل التذكير فحسب؛ لا سيما مع ترقي الموقف لدى بعض المحسوبين على الداخل، من خانة الغياب عن ساحة البذل الوطني الحربي، إلى خانة الحضور العلني في ساحة التآمر مع العدو عسكرياً وسياسياً.
إن عقبة الحصار والحرب الاقتصادية تحتم فك رقاب المعسرين والفقراء والمحتاجين من خلال التكافل الاجتماعي شعبياً، ومعالجة الأداء الحكومي القاصر والمقصر رسمياً والمراوح دون بلوغ ندية مجابهة تحديات هذه العقبة بما يلزم.
ويتوج سيد الثورة محددات اللحظة اليمنية المنتصرة بتأكيد الاستمرار في فعل ما يدعو المتهاونين إلى فعله من دعم الجبهات ورفدها بالرجال والإمكانات حتى دحر العدوان وتحرير كامل التراب المحتل.
بابتسامة دافئة ممتنة لشعب الأنصار المحتشد من كل صوب إلى السبعين احتفاءً بذكرى المولد النبوي الشريف، بدأ سيد الثورة خطابه، وبابتسامة مماثلة ختمه، هادئ الروع مفتر الثغر صادق الوعد والوعيد، واضعاً الموازين القسط لشعب ينتصر، وعدو بات على مفترق خيارين أحلاهما مرٌّ: الكف عن عدوانه مع احتمال نجاته من التبعات، أو المضي فيه صوب فنائه الحتمي.

أترك تعليقاً

التعليقات