رئيس التحرير - صلاح الدكاك

صلاح الدكاك / لا ميديا -

عقب انتصار تموز المقاومة اللبنانية في 2006 بهرت الملحمة قلوب غالبية الشارع العربي وتعاظمت في نفوسهم وأذهانهم رمزية سيد المقـاومة كقائد عربي حطم خرافة «الجيش الصهيوني الذي لا يقهر»، وأبدل وهن الشعور الجمعي العربي فخاراً ويأسه طموحاً وثاباً صوب إمكانية تحرير الأرض والقرار بانتهاج مسار المقاومة الذي برهن رجالها بقيادة نصر الله جدواها كمسار وخيار.
ذاعت صور السـيــد بامتداد الوطن العربي، عابرة مفارز الطائفية الاستعمارية، وخرجت تظاهرات حاشدة في مختلف الأقطار العربية والإسلامية تبارك نصـر تموز وقائده العربي الحسيني المعمم. أبرز تلك التظاهرات انطلقت من صحن الأزهر الشريف في القاهرة المصرية. وبموازاتها تقاطر كبار الفنانين والممثلين المصريين والعرب إلى لبنان لينتجوا أوبريت «نصــر العرب»، ويضعوه إكليل عرفان وإكبار بين يدي القائد.
إزاء هذه الانبعاثة الوثابة للروح العربية والإسلامية المناهضة للمشروع الصهيوأمريكي سارعت مطابخ الطائفية الاستعمارية واستخباراتها وأدواتها إلى تفخيخ المناخ الشعبي الجمعي العربي والإسلامي الذي يتخلق من الرميم منذراً بمارد فوق قدرة الإمبريالية الصهيوأمريكية على كبح جماح طموحاته وأشواقه للخلاص من جديد، مارد يهدد بنسف كل مشاريع وسيناريوهات التغييب والتجريف وغسل الأدمغة التي زاولتها الأنظمة العميلة بحق شعوبها لعقود.
كيف يمكن لمطابخ الطائفية الاستعمارية -إذن-  أن تدفع عن نحرها خنجر هذه الوثبة الجماهيرية القاتلة، وتجعل من نصله الحاد نصلاً مرتداً في نحور الجماهير والشعوب التواقة للخلاص؟!
حينها، كانت قد مضت قرابة 3 أعوام على الاحتلال الأمريكي للعراق، وكان الرئيس صدام حسين قد وقع في قبضة المحتل. ومن هذه الجعبة الوافرة أخرج الحاوي الاستعماري الأرنب والورقة الرابحة ليضمن تصفير «جائحة اليقظة العربية والإسلامية» المنبعثة من أتون ملحمة تموز المقاومة ورمزية قائدها المعمم وصدقيته وفدائيته مع القضية المركزية للأمة: فلسطين المحتلة، وفي مواجهة عدوها الأول الكيان الصهيوني..
شرعت سلطات الاحتلال الأمريكي في لعب ورقتها كضربة حظ راجحة الإصابة، فنصبت المشنقة لصدام حسين وأعدمته في ديسمبر 2006، أي عقب نحو 6 أشهر فقط على ملحمة تموز، وسربت تسجيلاً مصوراً رديئاً لحوار مقتضب بين صدام ومن يفترض أنه رجل الدين الشيعي المعمم مقتدى الصدر (ذو الأدوار الملتبسة المثيرة للريبة). قال صدام لـ»الصدر»: «هيك المرجلة يا مقتدى؟!» ولم يتلقَّ رداً، فقد هوت المشنقة به ليموت ويجري تسويقه كقائد عربي سني قضى ضحيةً لمؤامرات «إيران الفارسية المجوسية الرافضية» التي شن ضدها صدام حرباً شعواء لثمانية أعوام عقب اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، في خدمة جلية للإمبريالية الغربية الأمريكية والصهيونية المكلومة بفقدان رجلها الأول في الشرق الأوسط (الشاه رضا بهلوي) ونظامه العميل البائد.
في مقابل رمزية القائد العربي السني الضحية جرى تسويق «جلاد فارسي رافضي مجوسي» في صورة مقتدى الصدر الذي «أشرف على عملية إعدام صدام» بحسب الفيديو المسرب الرديء والمشبوه، وكان ذلك كفيلاً إلى حد كبير بإحداث انقلاب في مشهدية الصراع بالمنطقة، ليغدو المحتل الأمريكي منقذاً للعراق، وتغدو إيران محتلاً له ومتآمرة على العرب، وتضمحل رمزية نصر الله لصالح الـ»بطل الأسطوري الضحية صدام» لدى أكثرية الشارع العربي، بينما أضحى سيد المقاومة في ذهنية هذه الأكثرية العربية، نسخة أخرى من العشماوي الافتراضي المعمم (مقتدى الصدر).
لقد أمكن لورقة الحظ الشيطانية هذه أن تقلب موازين الصراع من كفة راجحة للعرب إلى خسران مبين واحتراب بيني طائفي جعل من الكيان الصهيوني صديقاً للعرب، ومن عربان الرجعية العربية قادة أقحاحاً يؤلفون حائط صد منيعاً في وجه «الأطماع الفارسية المجوسية الرافضية وتهديدات النفوذ الإيراني» المزعوم، على الرغم من جلاء حقيقة أن هؤلاء العربان هم من شرعوا بلدانهم كمنطلق عسكري لاحتلال العراق من قبل التحالف الإمبريالي، ووضعوا خزائن النفط رهن تصرف الغزاة وعلوجهم وترسانتهم الحربية، بالنقيض لموقف الجمهورية الإسلامية التي ناهضت منذ البدء الهجمة الأمريكية ومولت لاحقاً حركات المقاومة العراقية المناضلة في سبيل تحرير التراب من دنس الاحتلال.
سلسلة المفارقات الآنفة منذ 2006 وإلى اللحظة الراهنة لاتزال تنطلي على ذهنيات الكثيرين، فقميص صدام الذي أعدمه الأمريكان لا يرفعه اللئام والسذج في كل منعطف إلا دفاعاً عن الأطماع الأمريكية.
وإذ تستشعر واشنطن اليوم خطراً داهماً على وجودها العسكري في المنطقة يجري رفع القميص الزائف ذاته في وجه محور المقاومة، الذي عقد العزم على تصفير عداد الوجود الاستعماري الجاثم على خارطة الشرق العربي والإسلامي، كخيار راجح ستكون من نتائجه ولا ريب ـ زوال سرطان الصهيونية وكيانها الدخيل على المنطقة.

أترك تعليقاً

التعليقات