رئيس التحرير - صلاح الدكاك

نقطة ضعف وانفضاح المزايدين والمتذبذبين تكمن في عجزهم بالقصور الذاتي عن "جَدْوَلة الغضب" وفقاً لأولويات الواقع المنظورة، وهو ما يجعلهم يسرفون في إظهار الغضب لقضايا ثانوية، بينما يقتصدون في غضبهم لما هو أولى بالغضب من قضايا مركزية.
إذا أسرف تحالف العدوان في سفك الدم، فاسرف في التباكي على مليارات الشعب التي يسفكها الفساد، وإذا حقق رجال الرجال تقدماً نوعياً ميدانياً وعلى مستوى معادلة الرد والردع، فابك الدولة التي كانت "عظيمة ومقتدرة ومهابة"، وفقدت كل ذلك بفعل الفساد.
من لا يغضب لدم الشعب المسفوك بسواطير التحالف، لن يكون صادقاً في غضبه لأموال الشعب وهيبة الدولة. ومن لا نراه في محافل التحشيد والتعبئة وإصلاح ذات البين ومواجهة دعاوى التمزيق والاحتراب الأهلي، فإن حضوره الكرنفالي خلف منابر الخطابة الوطنية والوحدوية الفارغة هو انغماس مشبوه يكيل ريعه في جراب العدو الرئيسي، ويرفد رصيد إفلاسه للعام الخامس بمدد مجاني لا يحلم به، وينعش دورة مؤامراته العاثرة بقوة تفتقر إليها وتعوزها لاستمرار جريانها الخبيث والحاقد على شفا نضوبها.
ثمة مجزرة بشعة للعدوان في ماوية تعز، لكن جعجعة العلب الفارغة في صنعاء باسم "تعز المغبونة" حجبت أصوات الضحايا ومنحت العدو غطاء مريحاً لذبحهم بدم بارد، ومنحت وسائل إعلامه مادة مسمومة تنفثها في دورة الدم الوطني ولُحمة الصف المواجه للعدوان بدءاً من دعوى فساد ووصولاً إلى فرز الفاسدين مناطقياً واستقطاب الناعقين على جانبي السجال، على أن عزاءنا أن لعبة الاستقطاب لا إمكانية لها في أن تتحول إلى ضفتين نقيضين يسعى مطبخ التحالف بكل شهوانية إلى تخليقها كسبيل أخير لتلافي عجزه في تمرير غاياته عبر الآلة العسكرية..
لدينا دوناً عن غالبية شعوب الأرض قائد مستبصر ليِّن الطبع سمح السوية نافذ البصيرة والبصر شديد وصادق أبعد حدود الصدق في لجم كل انحراف يهدد النسيج الوطني والاجتماعي للجبهة الداخلية، ولو أن "الفريق سلطان" رد أمر فساد "حامد" أو سواه أياً كان موقعه، إليه، لنال مبتغاه ومبتغانا ومبتغى كل حريص على البلد في هذا المنعرج العصيب، لكن سلطان لم يفعل أو لم يقل إنه فعل فلم يلق جواباً، بل راح يشحذ متراساً لحاجة في نفسه ليست مكافحة الفساد أولوية فيها أو غاية لها كما تشير شواهد التداعيات والنعيق ولعبة الاستقطاب الصبيانية الخرقاء والمغرضة والتقابلات التي وردت في عباراته "الجراف وحدة، أنا أقدم عسكرياً من حديثي السن،..."..
إن موضع تثمين البزة العسكرية أياً كانت رتبتها، هو ميادين وخنادق العزة والشرف ومضامير رجال الرجال وفضاء اجتراح المعجزات في مواجهة العدو، لا ارتداؤها للمنصات الكرنفالية ومسارح الاستعراض وادعاء الأحقية بها ترتيباً على الأسبقية في غير حلبات السباق والفعل النظيفة والنقية من حوافز ونزعات الكسب والغنيمة.
لقد خلع الشهيد أبو حرب الملصي، سلام الله عليه، قشور القيافة العسكرية والهندام الأنيق، وصال وجال كليث في ميادين الجهاد وأسد شرى وقسورة، متبذلاً في لباسه ككل مجاهد حق، فلا رهان على تراتبية لديه سوى تراتبية البذل والريادة وتقريب الأنفس على مذبح القضية، حيث يكبر الرجال حقاً ويتفاوتون مقاماً بلا نقصان قدر، لأن القيمة الجوهرية هي في صدق التوجه وفدائية الإيثار والجهد والجهاد... وكأبي حرب خلع الشهيد الصماد مخمل الرئاسة، واحترف مسح الغبار عن نعال المجاهدين، فكان كبيراً وعظيماً..
واستمراراً أسأل: أيهم أقدم وأسبق رتبة وعسكرةً أهو الشهيد عيسى أبو قاصف، سلام الله عليه، أم الدنبوع ومحسن والمقدشي؟! ولماذا إذن فاز الأول والأصغر والأحدث سناً بكل شرف الدنيا، وغرق الآخرون لذقونهم في خزي ومذلة الدنيا، إلا لأن المقامات والقيم علواً وانخفاضاً باتت اليوم وعقب ثورة 21 أيلول، توزن على محك صدقية تقريب الرؤوس على طريق الحرية والاستقلال والدفاع عن شرف أُمّنا الكبرى الأرض اليمنية، والنقيض لهذا هو العمالة والعهر والقوادة على عرض هذه الأم المصونة بدماء أشرف أبنائها، وستبقى كذلك لأبد الآبدين.
الشعب لم يخسر بخيانة الرتب الكبيرة سوى ورم نشب في لحمه وعموده الفقري عقوداً، بينما هو يكسب اليوم كل القيمة بهؤلاء الرجال الحفاة المتبذلين حديثي السن وهم يصدِّرون ويسطرون ويجترحون أعظم ملاحم البطولة في تاريخ كوكب الأرض منذ آدم... فالمجد كل المجد لهم وللماضين على دربهم لا يبدلون تبديلاً.

أترك تعليقاً

التعليقات