وزير الكرامة..!
 

ابراهيم الوشلي

إبراهيم الوشلي / #لا_ميديا -

مشوار بسيط على سيارة أجرة عادية، قد يعلمك ما لم تعلم، ويريك ما لم تره عيناك الضعيفتان من قبل، تفتح باب السيارة وتصعد وأنت لا تفقه شيئاً في هذه الحياة، ثم تنزل وقد أصبحت عالِماً يُحاج به في المذهب الثوري.
يجعلك تدرك وجود الفرق العظيم بين أن تكون يمنياً في بطاقة الهوية وأوراق البيانات الفانية، وأن تكون يمنياً في سِنخ حقيقتك وذاتك وخلقك وتكوينك.
في زمن ادعاء الكرامة وانتحال الإباء، يعيش رجل تدعي الكرامة أنها تطال كرامته في بعدها وسموها الشاهق، ويحاول الإباء انتحال إبائه ومحاكاة عنفوانه الثوري الناري المشتعل دائماً وأبدا.
كانت البداية عندما أوقف الشباب سيارته المتواضعة، وحاولوا مساومته في سعر المشوار قبل أن يصعدوا، قالوا له على سبيل المزاح والاستعطاف إنهم طلاب كادحون، فأقسم بالله فوراً إنه لن يأخذ ريالاً واحداً منهم لو كانوا كذلك، سحبوا كلامهم خجلاً من كرمه، وركبوا التاكسي ذاهبين إلى وجهتهم، ثم اتضح كل شيء.
حقيقة الأمر أن سائق التاكسي هذا ليس إنساناً عادياً من أولئك الذين نقابلهم يومياً، بل هجين سماوي مخلوق من كل أشكال العزة والرجولة والإباء والوفاء.
هو الشاعر المعروف «خالد الخطاف الكميم»، له خبرة سنوات في نظم الشِّعر ونبذ الظلم، في صنع خير القوافي وملء شر المنافي، ذلك أن الصراصير البشرية لا تقوى على الوقوف أمام رياح قصائده الصرصر العاتية، فلا تجد غير مزبلة التاريخ مأوىً ومسكناً لها.
اقتحم طيلة مسيرته العديد من مسابقات الشعر والشعراء، وقد فاز بعشرات الجوائز والأوسمة الشعرية والأدبية، بينما كان المختص الأول في منح أوسمة البطولة وتأديب من زاغ عن صراط الرجولة قبل عام تقريباً كان الفارس الأبرز والأشجع في نهائيات البرنامج السعودي «فرسان القصيد»، وعندما تمت مناداته ليلقي قصيدته في ذلك العرض المباشر، اعتلى خشبة المسرح وفوجئ برؤية «ابن سلمان» وبعض الأنذال الآخرين في مقدمة الحضور، فقرر لحظتئذ التخلي عن كل شيء مقابل تأديب أولئك ونفيهم إلى حيث ينتمون.
اتجهت الأضواء والعدسات نحو الشاعر «خالد الخطاف الكميم»، الذي باشر على الفور إطلاق أبياته النارية مخلداً تلك اللحظات وخاطفاً قلوب الجبناء ومكمماً أفواه الناعقين.
لقد حكم على لجنة التحكيم الخرساء بالصمت والإنصات، وعرَّف أولئك الأقزام بأحجامهم الحقيقية المموهة بالشماغ والعقال، بسيف البلاغة والفصاحة دافع عن شعبه المعتدى عليه من قبل طغاة العصر، حتى قيل إنها لم تكن أبيات تهجوهم وتعنفهم بقارص الكَلِم، بل كانت أيادي كريمة تسحبهم من وجوههم وتمرغ أنوفهم بالتراب.
ولأنهم أقزام حقيرة فعلاً، فقد كانت ردة فعلهم قميئة مثلهم، حيث تركوه يحرق أرواحهم داخل المسرح، وذهبوا لإحراق سيارتيه «البورش والسنتافي» الواقفتين في الخارج.
وحين أتم مهمته الموكلة إليه من قبل هويته الإيمانية اليمانية، لم يكن متفاجئاً من أسلوب عصابة الأقزام في الدفاع عن نفسها، تقبل إحراق سيارتيه باهظتي الثمن، ولم يمانع مصادرة ممتلكاته التي تقدر بحوالي 7 ملايين ريال سعودي، واقتياده بعد ذلك مكبلاً إلى السجن، لكنه كان يرفض ويمانع ويأبى إحراق كرامته ومصادرة عزته.
6.800000 ريال هي تجارته في المملكة، و5 ملايين ريال جائزة المسابقة التي كان فائزاً فيها بلا شك، 11.800.000 ريال سعودي ركلها بقدميه مقابل الاحتفاظ بمبادئه الرجولية.
بعد أن قضى فترة خلف القضبان الحديدية في مملكة الشر، نجحت جهود القيادة السياسية في إعادته لحضن الوطن، وها هو يقود سيارة أجرة في صنعاء ليجني قوت يومه، دون أن تخطر على باله أبداً تلك الملايين التي تخلى عنها بتحويل المسرح إلى ساحة عقاب جماعية.
هذا الرجل الاستثنائي.. أليس من الواجب علينا أن ننصب له تمثالاً في أشهر معالم العاصمة، ليكون على الأقل درساً مستمراً لعبيد المال والعقال، أمثال «صلاح الأخفش» الذي باع دماء والده الشهيد وولى وجهه شطر قرن الشيطان لاهثاً متوسلاً استقباله في إحدى حفلات الحقراء بجدة، ولم يربح من ذلك سوى الإهانات والشتائم من قبل شواذ المملكة.
إن شخصاً مثل «خالد الخطاف» يعتبر قِبلة للباحثين عن دروس في العزة والإباء، وأنا لا أجد سبباً يفسر عدم اهتمام الجهات المعنية به.
أقل ما يمكن تقديمه له هو تنصيبه وزيراً للكرامة، فلا وزارة تليق به غير وزارة الكرامة، وليحتفظ الإقطاعيون بوزاراتهم التي تم منحهم بصائر تمليك بها.

أترك تعليقاً

التعليقات