نظرة إلى الميدان .. أين نحن وأين العدو؟!
- أحمد رفعت يوسف السبت , 12 أكـتـوبـر , 2024 الساعة 7:29:55 PM
- 0 تعليقات
دمشـق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
مع التطورات الأخيرة، وتصاعد شراسة العدوان "الإسرائيلي" في غزة ولبنان وسورية، رأينا أن حجم القلق والخوف يتصاعد لدى جمهور المقاومة بشكل عام، والسوري بشكل خاص، مع تساؤلات حول المسار الذي يمكن أن تأخذه الأحداث.
وحتى لا يتوهم أحد أننا نستهين بإمكانات العدو وقدراته، ندرك أن عدونا قوي، ويتلقى كل أنواع الدعم والمساعدات من الولايات المتحدة ومنظومتها العدوانية وأدواتها في المنطقة، ومحمي من الإدانة في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية؛ لكن بالمقابل هذه ليست كل الصورة، وحتى تكون هذه الصورة واضحة، علينا أن ننظر إليها من كل جوانبها، وخاصة من جانب العدو. وهذه النظرة تحمل الكثير من التفاصيل، أهمها:
- بمقابل ما يمتلكه العدو من قوة ودعم ومساندة، نمتلك الجغرافيا والأرض والحق والإرادة والقدرة على الثبات، والكثير من عوامل القوة في الميدان، وهذه العوامل أقوى بأضعاف من فائض القوة التي يمتلكها العدو، والتي لم تمكنه حتى اليوم من تحقيق أي من أهدافه، وكل تاريخ المعارك والصراعات يؤكد أن التوحش هو دليل ضعف وليس دليل قوة، وأي طرف يستطيع تحقيق أهدافه في الميدان لا يلجأ إلى هذا التوحش.
- بالتأكيد نحن نتألم؛ لكن العدو يتألم أضعاف أضعاف ما نتألمه. صحيح أنه بين الحين والآخر يضرب في دمشق وبعض المناطق، وفي لبنان وغزة، لكن الصورة تقول أيضاً إن كل مدن ومستوطنات الكيان باتت تحت مرمى صواريخ ومسيّرات المقاومة، ولم يعد يوجد منطقة آمنة داخله، بما فيها "تل أبيب" وحيفا، التي تشكل قلب الكيان، وحتى مستوطنة قيسارية، التي يوجد فيها بيت نتنياهو، تم دكها.
- عمليات أطراف محور المقاومة في تصاعد يومي، وتمكنت المقاومة اللبنانية، بسرعة مدهشة، من ترميم صفوفها، وعادت لتمتلك زمام المبادرة، وهذا سيوصل المواجهة إلى نقطة يفقد فيها العدو فائض القوة التي يمتلكها.
- بالتأكيد نحن نعيش بعض الأزمات؛ لكن العدو بات يعيش في أزمات وجودية، تطال كل نواحي الحياة. فالمجتمع الصهيوني يعيش في الملاجئ أكثر مما يعيش خارجها، مع ما تشكله هذه الحالة من رعب وقلق وتوتر وخوف، والحياة العامة شبه متوقفة، والسياحة صفر، و"مطار بن غوريون" يتوقف أكثر مما يعمل، والاقتصاد مشلول، والمستثمرون يهربون.
- الحرب السيبرانية هي دائماً مخفية، وتظهر نتائجها بما يحققه كل طرف على الأرض، وإذا كان العدو قد أظهر ما لديه في الضربات الصعبة التي وجهها للمقاومة اللبنانية، فإن المقاومة أيضاً أظهرت من خلال مشاهد الهدهد التي عرضتها -وآخرها قبل أيام- أنها تمتلك خريطة كاملة لكل ما في الكيان الصهيوني من مواقع عسكرية واقتصادية حساسة. وقبل أيام، أعلنت إيران أنها اخترقت وزارة الحرب "الإسرائيلية"، وتمكنت من الحصول على كنوز من المعلومات.
- هم أيضاً في أزمات سياسية عميقة، وانقسام حاد في صفوف قياداته السياسية والعسكرية، والكل يتهم ويشك بالآخر، حتى أن نتنياهو لم يجرؤ على السماح لوزير حربه بالسفر إلى الولايات المتحدة.
هذا يدعونا إلى ألا نؤخذ بالصورة التي يحاول العدو ترويجها، فهو يفرض رقابة مشددة على خسائره، والتي تبلغ عدة أضعاف ما يعلن عنه، وما يتم تسريبه من أجهزة اتصال الناس العاديين يظهر حجم الكذب والتضليل الذي يمارسه لإخفاء هذه الصورة وما يحدث داخل مجتمعه، وهذا يجعلنا لا نتردد في القول بأن الكيان الصهيوني تزعزعت كل أركان وجوده وبات يعيش على رجلين من خشب ينخرهما السوس، ولن يطول الوقت حتى يقع وينهار.
وحتى لا يتوقع البعض أن ما نقوله مجرد أوهام وأحلام سنوضح هذه الصورة.
قامت "إسرائيل" على ركنين أساسيين:
الأول: اقتصاد قوي وحيوي واستثمارات كبيرة تؤمّن الرفاهية للمستوطنين.
الثاني: أمن مطلق وجيش قوي يؤمّن حياة الناس وعمل مؤسسات الدولة والاقتصاد.
فالسؤال هو: ماذا بقي من هذين الركنين؟!
والجواب: لا شيء؛ لأنه تم زعزعتها بكل قوة، وبشكل لا يمكن ترميمه أو تعويضه مستقبلاً.
أما العقيدة القتالية للكيان الصهيوني، التي أمّنت قيامه واستمراره وتفوقه على الجيوش العربية، فهي تقوم على ثلاثة أسس:
الأول: خوض المعركة في أرض العدو.
الثاني: حسم المعارك بسرعة.
الثالث: التحكم بساعة الصفر وساعة توقف القتال في كل معركة يخوضها.
والسؤال هنا: ماذا بقي من هذه الأسس؟
والجواب: أيضاً لا شيء؛ لأن ما حدث منذ معركة "طوفان الأقصى" أسقطها وبكل قوة.
هذا يؤكد أن كل الأركان والأسس التي قام عليها الكيان الصهيوني وأمّنت استمراره، سقطت وإلى غير رجعة، ولم يعد يمتلك سوى ما بقي له من فائض القوة التي يستعملها في التدمير واستهداف المدنيين، لعله يستطيع إرهاب الخصم وفرض شروطه عليه، قبل أن تنكشف صورته على حقيقتها وتنهار أسسه بالكامل، ولم يعد أمامه اليوم إلا أمل واحد فقط يعمل عليه بكل قوة، وهو: محاولة جر الولايات المتحدة للانخراط المباشر في المعركة، وقيادتها ضد محور المقاومة؛ لكن معظم القادة السياسيين والعسكريين الأمريكيين يرفضون ذلك؛ لأنهم يدركون أنها معركة غير مضمونة، وقد لا تنتهي إلا بإخراجهم من كامل منطقة غرب آسيا وخسارة موقعها ومكانتها الجيوسياسية في العالم، وخسارتها المؤكدة للمواجهة العسكرية والسياسية والاقتصادية مع الصين وروسيا.
إن قراءة هادئة لتفاصيل ما يجري تؤكد أن المعارك والصراعات لا تدار بالعواطف والتمنيات، وإنما بالعقول وبالأعصاب الباردة، وبظروف الميدان. وهنا لا نكشف سراً إذا قلنا بأن غرفة عمليات المقاومة تدير المعركة بكل حنكة وذكاء، وتحدد دور ومهمة كل طرف من أطراف المقاومة، وهي تراقب وتدرس وتحلل وتتخذ القرارات وتنفذ.
ومن أراد أن يطمئن أكثر فليستمع ويقرأ ما يقوله الإعلام العبري والمحللون السياسيون والعسكريون "الإسرائيليون"، فهم أكثر من يتحدث عن عمق المأزق الوجودي الذي تواجهه "إسرائيل"، وأن الأفق أمامهم مسدود، والآمال بالنصر، أو حتى البقاء، باتت شبه معدومة.
المعركة اليوم هي حرب إرادات وأعصاب، وفيها عض على الأصابع والنواجذ، ومن يصرخ أولاً سيدفع كل شيء، وفي هذا ليس لدينا أي خوف أو قلق أو شك بأن عدونا هو من سيصرخ وسيملأ صراخه العالم، فالنصر صبر ساعة... وإن غداً لناظره قريب.
المصدر أحمد رفعت يوسف
زيارة جميع مقالات: أحمد رفعت يوسف