بث تجريبي..!
 

ابراهيم الوشلي

إبراهيم الوشلي / #لا_ميديا -

من المحزن جداً أن البشرية بأكملها تستعد لخوض حرب عالمية ثالثة، بينما أخوض أنا حرباً دراسية مملة مع اختبارات نهاية الترم الأول في الجامعة، الناس يتحدثون عن الصواريخ الإيرانية الباليستية وخسائر أمريكا البشرية والمادية، وأنا أتحدث عن المناهج الطويلة وخسائري الشخصية من درجات وعلامات. إنها حالة مخجلة ومؤسفة.
لقد كنت في عزلة شديدة برفقة الملازم والملخصات، أحاول أن أصب جهدي وتركيزي على المذاكرة، مدعياً أنه لا علاقة لي بما يحدث من تطورات خطيرة، إلى أن بدأت بقراءة مادة «الإعلام الدولي» التي سيكون اختبارها في اليوم التالي من كتابة هذا المقال، حينئذ وجدت ما أيقظني وأخرجني من عزلتي الكئيبة إلى الواقع والمستجدات الأخيرة.
هناك فصل في هذه المادة يتحدث عن مفهوم «النظام الإعلامي الدولي الجديد»، هذا النظام طالبت به دول العالم الثالث في الثلث الأخير من القرن الماضي، وكانت تسعى بذلك إلى التحرر والاستقلال من التبعية للنظام الإعلامي الدولي القائم آنذاك، والذي كانت تسيطر عليه الدول المتقدمة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد عملت أمريكا بشدة على فرض سيطرتها الثقافية والإعلامية التي تعتبر جزءاً من النظرية الاستعمارية.
في ذلك الوقت من الزمن بالتحديد، اتضح جلياً أن العم سام عصبي جداً ويغضب بسرعة، فبمجرد أن طالبت الدول النامية بالنظام الإعلامي الجديد ثارت ثائرته وقامت قيامته، وأقسم بجميع الآلهة التي يعرفها إنه لن يكون هناك نظام إعلامي دولي جديد، وأصر على استمرار نظام التدفق الحر للأنباء والمعلومات لكي لا يفقد هيمنته على شعوب العالم، ولأنه شيطان ماكر فقد أقنع الناس بأن غرض الدول النامية من ذلك هو تقييد حرية مواطنيها ومنعهم من الوصول إلى المعلومات التي تكشف استبداد وفساد حكوماتهم...
وعندما حاولت منظمة «اليونسكو» الاستجابة بشكل محدود لمطالب الدول النامية بوضع نظام إعلامي دولي جديد، ذهبت أمريكا مباشرة للانسحاب من المنظمة وشن الهجمات الإعلامية الشرسة عليها واتهامها بالفساد السياسي والمالي.
أعتقد أن هذا هو كل ما فهمته من المادة، وأرجو أن يكون كافياً لاجتيازي الامتحان ولو بدرجة «مقبول»، فقد حاولت جاهداً استكمال قراءة بقية الملزمة بلا فائدة، كنت غارقاً بالتفكير في مدى شيطنة الشيطان الأكبر الأمريكي.
وبالتأكيد لا أعني «ترامب» الأحمق الذي لا يملك من خصال الشيطان غير الحقد، بل قصدت الإدارة الأمريكية بشكل عام، ويشمل ذلك السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، الكونغرس بحزبيه الجمهوري والديمقراطي، والمحكمة العليا للولايات المتحدة، والوزراء، كلهم شياطين خبيثة، باستثناء «ترامب» طبعاً الذي يعد أغبى رئيس للبيت الأبيض بلا منازع.
هذه الإدارة الماكرة نجحت فعلاً في الاحتفاظ بهيمنتها على العقول البشرية وقدرتها على تشكيل ثقافات الشعوب وفق إرادتها، حيث اتضح مؤخراً أن محاولات تلك الدول النامية في إيجاد إعلام دولي متحرر من أصفاد أمريكا، فشلت فشلاً ذريعاً، وأصبح من الممكن اليوم أن ترى إنساناً عربي المظهر أمريكي المبدأ.
قبل أيام حين تم اغتيال الشهيد سليماني ورفاقه عليهم السلام، رأيت في المحيط كائنات حقيرة ترقص فرحاً على دمائهم، وبعد الوعيد الإيراني بالرد على هذه الوقاحة الأمريكية، كانت الكائنات نفسها تسخر وتهزأ وتستهين بقدرات الحرس الثوري الإيراني، وتتحدث عن أمريكا برهبة كأنها ملكة السماوات والأرض، ثم عندما جاءت الضربات الإيرانية من السماوات والأرض لتنال من الحيوانات الأمريكية المتجولة في قاعدة «عين الأسد» بالعراق، ذهبت الكائنات نفسها للتشكيك بحجم العملية ونتائجها الشافية للصدور، رغم أن هذه الصفعة مجرد رد مبدئي لا يزيد عن كونه بثاً تجريبياً.
إن معظم هؤلاء الأغبياء لا يفعلون ما يفعلونه عن قصد ووعي، هم ليسوا مروجين للدعاية الأمريكية بالضرورة، الأمر فقط أنهم مقتنعون فعلاً بأن أمريكا لا تموت ولا تقهر ولا تمس ولا تحس، ولو قتلنا «العم سام» فعلاً وقمنا بدفنه في «خزيمة» لقالوا إنه يدعي الموت، وإنه سيقوم بالالتفاف من خلف المقبرة والإجهاز علينا، هذا ما بناه الإعلام الأمريكي في عقولهم طيلة العقود الماضية.
من أجل هذه اللحظات فقط، وتحسباً لهذه الأحداث والمواجهات مع محور المقاومة، كانت الولايات المتحدة في القرن الماضي تقاتل الجميع في سبيل الحفاظ على النظام الإعلامي الدولي الذي تسيطر عليه.
السيد عبدالملك أشار في خطابه الأخير إلى هذه النوعية من الناس، التي تعتقد بأنه لا توجد قوة في الكون يمكنها أن تحدث جرحاً طفيفاً في الجسد الأمريكي، بينما «فييتنام» الدولة الوحيدة غير المسلمة قتلت أمريكا وجرحتها وطردتها من أراضيها ذليلة خاسئة.
أيها الأغبياء.. القصة قصة إعلام ودعاية لا أكثر ولا أقل، تخلصوا من الأيديولوجيا الأمريكية التي عشعشت في رؤوسكم، واغربوا عن وجهي، فلدي امتحانات.

أترك تعليقاً

التعليقات