الهروب من العار..!
 

ابراهيم الوشلي

إبراهيم الوشلي / لا ميديا -

في الأول من يوليو عام 2001، قام الأمير «ديبندار بيكرام»، ولي عهد مملكة نيبال آنذاك، بإطلاق الرصاص على جميع أفراد عائلته. هكذا بدون مقدمات أمسك السلاح ووزع ما في باطنه على 9 أشخاص، بينهم أمه وأبوه، ثم أطلق الرصاصة الأخيرة على رأسه.
تقول الأخبار إن الدافع الذي جعل الأمير ينهي حياته وحياة من حوله هو منعه من الزواج بحبيبته الهندية «ديفياني رانا»، لحسابات سياسية واجتماعية.
كان العشق يعتبر المعركة الكبرى التي يخوضها الأمير «ديبندار» في وجه الحياة، ولم يكن ليطلب نصراً غير أن يعيش مع الفتاة التي يحبها، وعندما أحس بنفسه منهزماً أمام الحياة، عاجزاً عن الوصول إلى مبتغاه، لجأ إلى الانتحار كخيار أخير، هروباً من مرارة الهزيمة، ومن فرط شعوره بالضعف والعجز قام بقتل عائلته كلها قبل أن يقتل نفسه، فهو يظن أن مجزرته هذه ستكون الستار الذي يغطي عجزه التام، ونحن سنتوهم بأنه كان قوياً ذا سلطان، وأن انتحاره لم يكن إلا قراراً شخصياً اتخذه بمزاجه، لكن الحقيقة أن الأمير فضح لنا مدى ضعفه وانكساره، ثم فر إلى الموت.
وفي 30 أبريل 1945، قام زعيم ألمانيا النازية «أدولف هتلر» بإطلاق النار على نفسه بعد أن تناول مادة السيانيد السامة. لقد انتحر هتلر انتحاراً مزدوجاً، الرجل الذي لا يقهر مات بطريقتين: السم والرصاص.
عندما أدرك أن النصر محتوماً للحلفاء، وأن وصول القوات السوفييتية إلى وسط برلين بات قريباً جداً، قرر الانتحار، هروباً من مرارة الهزيمة.
يُقال إن «هتلر» كتب في وصيته: «أختار الانتحار على عار الهزيمة والاستسلام».
لكن الانتحار لا يمحو شيئاً من عار الهزيمة. إنه مجرد وسيلة للهروب من الشعور بالعار، فهو يعلم أنه قتل نفسه فقط لكي لا يرى ملامح الناس بعد أن سمعوا بهزيمته.
والانتحار ليس أداة مستحدثة اخترعها البشر بتطور التكنولوجيا، بل ثقافة متوارثة منذ القدم، فقبل الميلاد بـ30 عاماً انتحر القائد الروماني «ماركوس أنطونيوس» وحليفته «كليوباترا السابعة» بعد هزيمتهما أمام «أوكتافيوس» في معركة أكتيوم البحرية. لقد فرا من الشعور بالخزي كما يفعل الجميع.
أنا شخصياً لدي رصيد لا بأس به من استخدام هذه الوسيلة للهروب من الفشل. مثلاً كنت في طفولتي إذا لعبت مباراة على «البلايستيشن» مع أحدهم وشعرت بأنني سأخسر لا محالة، أقوم مباشرة بتسجيل الأهداف على نفسي بشكل هستيري، لأوهم الآخرين بأنني لم أهزم أمام الخصم، كل ما في الأمر أنني هزمت نفسي بنفسي، بينما يعلم الجميع أنني هُزمت هزيمة ساحقة لدرجة أن أنتحر وألعب لصالح خصمي بكل غباء!
إن التأمل بحوادث الانتحار كلها يقودني في الأخير إلى موقف تحالف العدوان السعودي الإماراتي، خصوصاً أننا أصبحنا نسمع بكثرة عن غارات جوية يشنها التحالف على مرتزقته، وآخرها قبل يومين في رغوان بمحافظة مأرب.
مهما أطلنا البحث عن مبررات معقولة لهذه الغارات التي تقتل أصحابها لن نجد شيئاً، فلو قالوا إنه خطأ معلوماتي سيكون قولهم استحماراً لنا واستخفافاً بعقولنا، لأن الخطأ المعلوماتي البسيط لا يتكرر مرة تلو أخرى، فما بالك بمثل هذا الخطأ الكارثي؟!
في الواقع إننا أمام حكاية جديدة من حكايات الانتحار الكثيرة، ذلك أن التحالف استيقظ للتو وبدأ يشعر بهزيمته الحتمية على أيدي اليمنيين، وهو يرى نفسه عاجزاً عن صنع أبسط انتصار، بينما رجال الرجال يسحبون محافظة مأرب من يده كما تُسحب الشعرة من العجين.
التحالف بات مهزوماً أمام اليمنيين، ويحاول أن يطلق رصاصة الموت على رأسه، هروباً من الشعور بالعار. وكما قتل الأمير النيبالي أفراد عائلته قبل أن ينتحر ليتظاهر بالقوة، فإن التحالف يقتل مرتزقته وأحباءه للسبب نفسه، ليوهم الناس بأنه ما زال قوياً ذا سلطان، وهو عاجز تماماً.
وكما أنني كنت أسجل الأهداف على شباكي بعد أن أفشل في تسجيلها على شباك الخصم، فالتحالف اليوم يقصف مرتزقته لأن صواريخه فشلت في استهداف المجاهدين.
إن التحالف ينتحر، والانتحار ليس إلا بياناً رسمياً يعلن الشخص من خلاله هزيمته واستسلامه، وإن كان يعتقد أنه هزم نفسه بنفسه ونجا من العار.
أيها التحالف لا تهزم نفسك، نحن سنهزمك، فالعار فيك ومنك مهما فعلت!

أترك تعليقاً

التعليقات