دنيا معكوسة..!
 

ابراهيم الوشلي

إبراهيم الوشلي / لا ميديا -

قبل أكثر من 10 سنوات، وفي يوم مأساوي وأبشع مما تتخيل، كنت عائداً من المدرسة لوحدي بسبب غياب شقيقي «أحمد» إثر وعكة صحية، ولأنني صبي صغير لم تكن لدي حينذاك خارطة توضح الطرق والأماكن والأحياء الآمنة وغير الآمنة، فقادتني قدماي الغبيتان وحظي البائس إلى حارة مشؤومة مكتظة بعصابات المتنمرين، وليست إلا بضع خطوات حتى قام أحدهم بالتعرض لي ورمي الكلام الجارح.
في تلك اللحظة توقفت غاضباً وأدرت رأسي نحوه، ورددت الصاع صاعين والشتيمة شتيمتين، فأنا شخص عصبي جداً وأفقد توازني لأتفه الأسباب، وقد ظننت لوهلة أن عصبيتي ستمر على خير كما يحدث دائماً بفضل تغاضي الأهل والأقارب والجيران، كنت طفلاً على أية حال.
لكن ما حدث هو أنني أغمضت عيني وفتحتهما لأجد نفسي محاصراً داخل دائرة من المحاربين الأشداء، لا أنكر أن أغلبهم كانوا في مثل عمري، إلا أن المفاجأة جعلتني أراهم رجال مافيا وقتلة مأجورين، ولا أعتقد أبداً أنهم رأوني «بروس لي» أو ما شابه.
مرت دقيقة صمت وتبادل نظرات كأنها الدهر، ثم بدأت المعركة الظالمة وتبادل اللكمات والركلات، مع العلم أنني تلقيتها كلها ولم يحدث أي تبادل، إنما قلتها من باب الإثارة والتشويق.
استمر أولئك الأوغاد بإبراحي ضرباً لمدة طويلة تكفي لأن أراجع حساباتي خلالها وأعلن توبتي، لكنني فعلت العكس تماماً، ولم أتوقف لحظة واحدة عن إطلاق الشتائم والمسبة بأنواعها، حتى عندما تعبوا وأرادوا إطلاق سراحي فاجأتهم بشتيمة جديدة يسمعونها لأول مرة، فعادوا لضربي مجدداً.. وهكذا...
لقد كنت طفلاً عاجزاً لا يدري كيف يتصرف، وفي الواقع لم أعلم بقدرتي المكبوتة على السب إلا وقتها، أما الأمر الذي يدعو للاستغراب فهو أن الشارع كان مزدحماً بالمشاة قبل بدء المعركة، وهذا ما أشعرني بالطمأنينة لوجود بعض «المفارعين»، لكن بمجرد أن انطلقت صافرة البداية اختفوا كلهم قبل أن يرتد إلي طرفي، فاضطررت لتلقي الضربة القاضية (RKO) بكل سرور.
إنها الحقيقة وقد نقلتها لكم كما هي، ولو قلت لكم إنني ضربتهم جميعاً سأتفوق في الكذب على محمد العرب وتركي المالكي، فهذه معادلة غير ممكنة، ولا بد من معجزة خارقة للعادة لكي يتمكن طفل وحيد من مواجهة عصبة من الأشرار.
على هامش الحديث عن المعجزات، أدركت وأنا أكتب قصتي أن كل شيء انقلب رأساً على عقب في السنوات الأخيرة، وأن هناك قوماً قد اعتادوا على صنع المعجزات وتغيير المعادلات.
كلنا نعلم أن «اليمن» يقف وحيداً في هذا العالم المظلم، وقبل نصف عقد من الزمن تآمرت عشرات الدول واتحدت لتشن حرباً ظالمة جائرة على هذا البلد بعد أن تم تجريده من كل وسائل القوة والدفاع عن النفس.
الأمر أشبه بوقوفي طفلاً عاجزاً بين أولئك الأوغاد، لكن المجريات والنتائج مختلفة تماماً، من يصدق أن «اليمن» الوحيد المحاصر يقوم منذ 5 أعوام بضرب تلك العصابة الدولية وتلقينها أقسى الدروس.
كل تلك الأنظمة بجيوشها وطائراتها عجزت عن تحقيق نصر واحد أمام «اليمن» الوحيد، وكما حصل في قصتي لا وجود لأي تبادل للضربات في معركة اليوم، باستثناء أن المتلقي هذه المرة هي الدول المتحالفة، ومرسل الصفعات هو «اليمن» الوحيد.
الأمر عجيب لدرجة أن تلك العصابة الكبيرة تقوم بالدفاع عن نفسها بإطلاق الشتائم السوقية عبر قنواتها الإعلامية، وكلما مد «اليمن» يد السلام وعرض عليها الذهاب في شأنها، عادت للسب والقذف وتلفيق الأكاذيب، فينتهي الأمر برؤية تحالف دولي يبكي وينوح، بسبب صفعة مؤلمة تلقاها من كف «اليمن» الوحيد، دنيا معكوسة فعلاً.
لو سألت طفلاً من قبائل الماساي الأفريقية من يفعل هذا كله.. لأجابك دون تردد بأنهم «الحوثيون»، قلبوا المعادلات، وجعلوا كل شيء خارقاً للعادة.
وفي حال أردت معرفة السر الحوثي الأعظم، سيكون كافياً أن تقتنع بأن هؤلاء هم «أنصار الله».

أترك تعليقاً

التعليقات