لا.. القاصمة
 

ابراهيم الوشلي

إبراهيم الوشلي / لا ميديا -

5 أيامٍ من كل أسبوع.. أقطع فيها ما يزيد على كيلومتر سيراً على قدميّ، قاصداً كشك الجرائد الذي سيبيعني نسخة من "لا"، الخميس والجمعة هما إجازتي من هذا الروتين، وليتني لم أُجز ولم أُحرم من صحيفتي المفضلة.
ولأن الطريق طويل قليلاً وممل، فقد اعتدت على إفاضة التفكير أثناء المشي في السبب الكامن وراء تسمية هذه الصحيفة، لماذا هذا الاسم؟ لماذا "لا"؟
لم تجمعني المقادير بعد بالقدير "صلاح الدكاك" الذي يترأس تحريرها منذ ولادتها، وإن شاءت ورأيته أمامي في يوم ما فأنا أعده بأني لن أسأله عن سبب اختياره هذا الاسم.. أُفَضِّل الاحتفاظ بحيرتي وتوقعاتي المتناقضة، فمن عجب أنني أجد متعة عجيبة في تفكيري الطويل بهذا الشيء، وأعتقد أنها شبيهة بتلك التي يجدها الباحثون في تفتيش الكتب والمجلدات والمخطوطات طوال اليوم.
المهم.. دعني أصحبك معي في واحدة من رحلات تفكيري وتساؤلي عن مغزى هذا الاسم.. أرجوك لا تقل "لا".
لنقل إن المقصود بكلمة "لا" هو التأكيد على الرفض القاطع والرادع لكل ما يجب أن يُرفض.. كأن تصرخ "لا للظلم، لا للعبودية، لا للذل.. الخ"، صحيح أن أجمل شيء في الحياة هو رفض هذه الأشياء وتخييب آمال الجبابرة، وأن تقول "لا" في الموضع الذي يريد الأمريكي منك أن تقول "نعم".. لكن إذا اكتفينا بهذا سبباً للتسمية فنحن بسطاء جداً.. هناك ما هو أعمق من هذا وأبعد بكثير.
في منتصف أغسطس الماضي انطلقت 10 طائرات مسيرة من اليمن، مولية وجهها شطرَ بترول المملكة، وبالفعل قطعت أكثر من 1100 كيلومتر وجثمت ببارودها ونارها على حقل "الشيبة" النفطي شرقي السعودية، ملايين البراميل التي تنتجها هذه المصفاة أصبحت في خبر كان، والنتيجة أن مليارات الدولارات التي يعهر بها أمراء العهر والفجور تبخرت وتلاشت.
في ذلك اليوم اعتقدت أن اسم الصحيفة يقول لعيال عبدالعزيز: لا تستخفوا باليمنيين، لا تتمادوا في عدوانكم.
وعندما عرفت أن المصفاة تقع في منطقة حدودية بين المملكة والإمارات، أدركت وجود عنوان "نسخة مع التحية" لعيال زايد.
صبية الإمارات فضلوا الهدوء والصمت بعد انسحابهم الكاذب من تحالف الشر، وصبية المملكة للأسف لم يسمعوا كلام الكبار، واستمروا في أفعالهم الطفولية، حتى وجد الجيش اليمني نفسه مضطراً لإرسال صفعة ثنائية أقسى من سابقتها، وهي الضربة التاريخية على مصفاتي بقيق وخريص، والتي أغرقت قصر اليمامة بدموع الباكين والنائحين، وهنا كانت صحيفة "لا" تقول لهم: أخبرتكم من قبل يا حمقى، لا تتمادوا، لا تجربوا حظكم مع اليمنيين.
وهكذا صرت في كل يوم وفي كل انتصار أرى معنى جديداً في اسم صحيفتنا الموقرة، كل مستجد يحدث يحمل دائرة تفكيري إلى اعتقاد جديد.
في الآونة الأخيرة أعلن الرئيس المشاط عن مبادرة تعتبر طوق نجاة لابن سلمان، وهي وقف الضربات التي تستهدف المنشآت السعودية، فقط إن توقفت الطلعات الجوية تجاه اليمن.. ووجدت في هذا رسالة جديدة تحملها الصحيفة لولي العهد السعودي.. "لا تضيع فرصتك الوحيدة يا غلام".
ولا تقتصر المعاني والرسائل التي تحملها كلمة "لا" على دول الخليج فقط، فهي تقول لليمنيين دائماً: لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون.
وذات مرة سمعتها بأذنيَّ وهي تقول لدونالد ترامب بلهجة شديدة: لا تركن على عملائك المدللين يا أبرص.
ما أبلغ اسمك وما أعمقه يا هذه الصحيفة، حتى عندما أعلن البنك المركزي إيقاف 6 شبكات صرافة وتحويلات مالية، انتابتني نوبة ضحك وأنا أتذكر تلاعب أولئك بأسعار الصرف في السوق، واحتكارهم لما يجدونه من الدولار، كم أخبرناك يا صراف: لا تتعاون مع العدو، لا تفتعل أزمة فوق الأزمة، لا تقبل العملة المطبوعة دون غطاء.. لكنك فضلت أن تزيد من معاناة هذا الشعب، ورغم أن البنك أصدر قراراً بإعادة السماح لهؤلاء بالعمل، إلا أن في هذا إشارة مهمة تقول: لا تعودوا لما نهيناكم عنه، لأن "لا الناهية" في المرة القادمة ستكون "لا القاصمة".
هذه مجرد بعض الأحداث والدلالات.. وهنا تنتهي رحلتنا في محاولة تفسير حرفي اللام والألف المتعانقين في أول صفحة يا صديقي، أشكرك جداً على مرافقتي.
قلت لك إنها معانٍ لا تنتهي وراء اختيار هذا الاسم، كلمة "لا" ليست مجرد رفض للطلبات الأمريكية، بل فيها ألف تحذير ونذير لكل معتد أثيم، ولكل من تسول له نفسه المساس بكرامة الشعب اليمني، ولا سلام على الظالمين.

أترك تعليقاً

التعليقات