الهروب من البندقية..!
 

ابراهيم الوشلي

إبراهيم يحيى الوشلي / #لا_ميديا -

أجمل شيء في مرحلة الطفولة هو تلك الحلقات العائلية الحميمية الدافئة، التي يتم الاستماع فيها إلى حكايات الكبار وتاريخ الآباء والأجداد. وطفولة تخلو من هذه اللحظات ليست أكثر من مرحلة عمرية فارغة من أية متعة وجمال وبهاء.
كم هو مسكين الطفل المحروم من هذا الشيء، الذي لا يستطيع أن يشكل حلقة مع أترابه حول شخص كبير يروي ويحكي لهم مآثر السابقين ومغامراتهم وبطولاتهم الخارقة للطبيعة، ومن المؤلم حقاً أن أرحام النساء في المستقبل ستحمل الكثير من الأطفال المحرومين، الذين ليس لأجدادهم أية فضائل تُحكى أو تُروى، عندما يعلمون بهذا سيتمنون لو ظلوا أجنة في بطون أمهاتهم.
وفي مقابل هؤلاء، سيكون هناك جيل مشبع بتاريخ ثوري بطولي حافل بالكرامات والمعجزات، الطفل من هذا الجيل لن يتمنى لو ظل جنيناً في بطن أمه، بل سيتمنى لو ولد قبل عشرات السنين وشارك جده تلك البطولات طلقة بطلقة، واقتحاماً باقتحام.
سيقولون له: جدك يا ولدي أحد رجال عملية «البنيان المرصوص»، لقد طارد دبابة إبرامز أمريكية من جبل إلى جبل، وعندما وجدت نفسها محاصرة على حافة هاوية قررت الانتحار هروباً من بندقيته، ورمت بنفسها من أعلى إلى أسفل، نعم أيها الطفل هكذا كان جدك، حتى إنه طهر مع رفاقه المجاهدين مديرية نهم بالكامل، واستمروا في التقدم إلى الأمام وصولاً إلى مأرب، مدن عسكرية بأكملها حولوها إلى مناطق مدنية آمنة لا تطالها حتى مدفعية المنافقين، في ميادين الجهاد يا ولدي لم يلتفت جدك إلى الخلف أبداً، إنه لا يعرف شيئاً اسمه «تقهقر»، هناك «تقدم» فقط...
كل رصاصة كانت تخرج من بندقيته كفيلة بأن تصلي أمة محمد صلاة نصر خاصة بها، في حضرة أمثال جدك تتوالى المعجزات تباعاً بلا توقف.
حكاية الكرامة هذه ستُحكى لحفيد كل مجاهد في سبيل الله، وإذا شبَّ الطفل على ثقافة كهذه فلا بد أن يشيب مجاهداً شجاعاً مقداماً مثل جده تماماً، إنها دائرة مغلقة من القتال والنضال.
ولكن ماذا عن ذلك الطفل الذي كان جده يقود الإبرامز المنتحرة من أعلى الجبل؟!
ما الذي سيُقال لأحفاد المرتزقة والخونة؟!
من باب الحفاظ على مشاعره.. أنا شخصياً لا أحبذ أن أحكي لطفل كم كان جده جباناً، وكيف كان فراراً في ساح الوغى، ولا أريد أيضاً أن أخبره كيف كان جده عبداً طيعاً لجندي إماراتي منحرف أخلاقياً.
سيُكسر قلبه وسيشعر بالخزي بلا شك، خصوصاً عندما يعلم أن جده كان يقاتل في صفوف قتلة أطفال ضحيان، وأنه -لولا فراره- كان على وشك التضحية بروحه ودمه دفاعاً عن أسوأ المجرمين وأقذرهم، إنها أغرب وأحط حالة فداء عبر التاريخ.
لا أعتقد أن هناك أحداً سيرضى بأن يحكي لطفل حكاية مخزية كهذه، ولهذا يندثر ذكر أولئك الخونة في غضون ساعات بعد موتهم، فالحديث عنهم ليس أكثر من عار وخزي وذل ومهانة، تاريخهم سيبقى في حالة اختفاء قسري حتى يوم يبعثون.
هنيئاً لكم يا أحفاد الأحرار، وأسفي عليكم يا أحفاد الجبناء.

أترك تعليقاً

التعليقات