مآلات تولي القائد اليماني
- خالد العراسي الأحد , 14 سـبـتـمـبـر , 2025 الساعة 12:34:28 AM
- 0 تعليقات
خالد العراسي / لا ميديا -
العدوان على اليمن لم يكن سببا في خضوعنا وركوعنا واستسلامنا كما كان مأمولا ومخططا له، بل كان سببا في نهضتنا عسكريا من تحت الصفر، وصولا إلى الحصول على أسلحة متطورة لنكون ضمن ست دول في امتلاك الصواريخ الفرط صوتية، وضمن خمس دول تمتلك الصواريخ الباليستية الموجهة ضد السفن، وضمن أربع دول تمتلك منظومة دفاعات جوية قادرة على اكتشاف واستهداف طائرات الـ(F35)، ومنظومة كاملة من الأسلحة البحرية.
كل هذا وأكثر ضمن السلاح المعلن عنه بعد الاستخدام الناجح مع العلم بأنه لا يتم الإعلان عن إنجاز تصنيعي أو تحديثي إلا وقد تم الانتهاء من تصنيع أو تحديث سلاح آخر أكثر تطورا.
لو توقف العدوان على اليمن في عامه الأول لما امتلكنا أي سلاح غير ما كانت تسمى بـ"المقذوفات" المصنعة محليا وصواريخ "سكود" و"توشكا" المعتقة التي لم نكن نعلم حتى كيف نستخدمها، لكنه استمر لعشرة أعوام وتفاقم الخطر بدخولنا مرحلة إسناد غزة وما نتج عنها من مواجهة بحرية مع أمريكا واستهداف لعمق الكيان وتنفيذ حظر بحري لصادرات وواردات الكيان التي تمر عبر البحرين الأحمر والعربي (أي أنه حظر بحري كامل وشامل لميناء أم الرشراش)، وكانت عمليات التصنيع والتطوير والتحديث تجسيدا فعليا لمقولة "الحاجة أم الاختراع"، فحسب درجة ونوعية المخاطر كان التطور الحربي اليمني.
ما الذي تغير ليشهد اليمن كل هذا التحول؟
الشعب هو نفس الشعب، فما هو سبب هذه الإنجازات النوعية العظيمة؟
من دولة تستورد غلافات المسدسات وذخيرة الأسلحة الخفيفة إلى دولة تمتلك أحدث وأقوى الأسلحة، وتواكب وتنافس الدول العظمى في كثير من الصناعات العسكرية للأسلحة الثقيلة.
الذي تغير هو شيئان، الأول: القيادة. والثاني: الوعي الشعبي.
في السابق كان لدينا قيادة رهينة وتابعة لقوى الشر والظلام العالمي، وهذا ما حرصت عليه تلك القوى في عملية تمكين سلطة تابعة لها في اليمن لغرضين الأول: ضمان عدم تكرار ما حدث في حرب أكتوبر 1973م، عندما أغلق اليمن باب المندب منفذا بذلك حظرا بحريا على الكيان مما أدى إلى هزيمته (أي لضمان عدم تكرار استخدام مضيق باب المندب وخط الملاحة الدولي ضد الكيان وداعميه)، وسعيا من هذه القوى للتحكم بشكل غير مباشر بأهم المواقع الاستراتيجية في اليمن المتمثلة في المضيق والموانئ والجزر، والثاني: ليتسنى لها نهب مقدرات وثروات اليمن الطبيعية، وبالتالي إفقارنا وعدم تمكيننا من استثمار مواقعنا وثرواتنا بالشكل الأمثل ولا حتى بالحد المتوسط، واستمرار حالة العوز والاحتياج الدائم للمساعدات واستمرار حالة الاتكالية لضمان استمرار التبعية فلا استقلال إلا بالاكتفاء ولو بشكل جزئي وتدريجي، ولا اكتفاء إلا بالاستغلال الأمثل للمواقع والثروات وبهذا تحولت نعم اليمن إلى نقم ومحل أطماع إقليمية ودولية بسبب حكامها الخونة والتابعين.
إلى أن جاء اليوم الذي ينتفض فيه الشعب ويخرج عن صمته في 2011م، وحدث ما حدث من تحايل على الثورة بسبب خيانة بعض قياداتها التي كانت تمثل الوجه الآخر للسلطة باستثناء الأنصار وشركائهم الرافضين لما سميت "المبادرة الخليجية" التي أعادت توزيع الكعكة وأجهضت الثورة لضمان عدم تصدر سلطة جديدة رافضة للتبعية ومآلاتها الكارثية، ولهذا لم تعتد علينا الدول المجاورة ومن خلفها أمريكا وتحالفها (الدول المتبوعة) كونهم ضمنوا البديل (الدنبوع ومن معه وبقايا النظام السابق والإصلاح ومن معهم) فضمنوا بديلا لن يحيل أو يميل عما كان يقدمه السابقون، بل إنه سيقدم لهم أكثر مما كانوا يحصلون عليه، فعروض الولاء والطاعة كانت أكثر وأوضح من السابق.
وفجأة تحول كل شيء وجدد الأنصار وشركاؤهم تحركهم لتصحيح مسار الثورة بعد أن حاولوا بالنصح ثم بالاحتجاج السلمي وتحركهم كان بسبب استمرار التدهور وصولا إلى بكاء رئيس وزراء "حكومة الوفاق"، محمد سالم باسندوة وتصريحه بعدم القدرة على دفع مرتبات الأشهر القادمة، وكانت هذه نتيجة طبيعية، لأنها سلطة استمرت على التبعية وما يصاحبها من توجيهات بنفس المنوال السابق واستمرار الفساد وعدم استثمار مقدرات الوطن من مواقع وثروات، بل واتخاذ إجراءات كارثية تقود إلى مزيد من التدهور، ومنها هيكلة الجيش استكمالا لخطوة تدمير الدفاعات الجوية، وفرض دستور مفصل غربيا وصل إلينا بشكل جاهز ولم يعده ويراجعه يمنيون، إضافة إلى فرض موضوع الأقاليم في الحوار الوطني دون أن يكون ضمن مخرجات الحوار، وإنما كفكرة ونتيجة جاهزة مثلها مثل الدستور المعدل إلى جانب خطوات أخرى كارثية، فكانت نتيجة ذلك وبخطوات متدرجة بروز القائد اليماني وتولي الأنصار للسلطة، وهنا جن جنون المتبوعين لمعرفتهم بأن القادمين لا يساومون ولا يفرطون في سيادة الوطن ولديهم رؤية تنموية نهضوية والأهم من هذا هو مبدأ الولاية لقائد رباني نوراني يعمل بالأسباب بعد التوكل على الله عز وجل، ويأبى الضيم ويرفض سياسة الاستكبار والهيمنة ويجعل القضية الفلسطينية قضية أساسية ومركزية.
بمعنى أنه قائد ينشد الاستقلال والنهوض بالوطن ويرفض الطاغوتية وانتهاك السيادة اليمنية، ويؤمن بضرورة إزالة الكيان الصهيوني الغاصب والمحتل وتحرير فلسطين كواجب ديني لا تنازل عنه.
المبادئ والقيم لم تكن السبب في رعب قوى الشر، وإنما العمل بها كطريق للوصول إلى الأهداف النبيلة، فكثير من هذه المبادئ متداولة كشعارات زائفة ولا يتم العمل بها وغالبا يعمل الحكام عكسها فالظاهر غير الباطن.
ظهور المسيرة القرآنية وقائد الأنصار كان مرعبا لهم، لأنها مسيرة وجماعة لا يمكن أن تحيد عن مبادئها وقيمها ولا يمكن أن تتنازل عن أهدافها المشروعة لا بالعصا ولا بالجزرة، ولا يكتفون بالدعاء لمواجهة العدو، بل أعدوا العدة كما أمرهم الله عز وجل، وهي عدة روحية وثقافية تتمثل في تصحيح المفاهيم والثقافة المغلوطة التي أنتجت شعوبا قاعدة تسالم العدو وترضخ له وتقاتل بعضها، وعدة مادية عسكرية وبكوادر يمنية بحتة وهذا ما تيقنت منه أمريكا وكيانها المؤقت وتحالفها الغربي بعد دراسة وفحص بقايا السلاح ونوعية الوقود المستخدم (بغض النظر عن مصدر تقنية التصنيع)، ولهذا لا تزال قضيتنا مع تحالف العدوان السعودي عالقة، فاستقرارنا واستقلالنا وإلغاء التبعية وخروج المحتل يعني دخولنا مرحلة البدء بنهوض اليمن في المجالات الأخرى كما فعلنا في المجال العسكري، وهذا ما لا يرغب به الأعداء، لأنه أولاً سيفقدهم مصالحهم اللامشروعة، وثانياً سيخلق أمامهم نموذجا للتحرر والاستقلال يشجع جميع المستضعفين ليحذوا حذوه.
ملحوظة: إخفاقات الداخل سببها المندسون ومن حادوا عن مسار المسيرة واستسلموا لشهوات وملذات الدنيا الفانية، والمتعجرفون وعديمو الخبرة، والتصحيح الداخلي مستمر لا محالة إلى أن تتحقق بإذن الله انتصارات مؤسسية إدارية وعدلية تواكب العسكرية، ولتكتمل حلقات النصر المبين.
المصدر خالد العراسي
زيارة جميع مقالات: خالد العراسي