خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -
في محافظة الجوف شددت الدولة على منع حفر الآبار، رغم أرضها الخصبة وجودة قمحها عالميا، ورغم عدم وجود زراعة للقات هناك، ورغم وجود بحيرة العرب في باطن جزء كبير من محافظة الجوف، وهي أكبر بحيرة مائية في الوطن العربي. وفي المقابل يتحدث أهالي الجوف عن وجود ست عشرة محطة مائية تضخ المياه من شمال الجوف إلى السعودية، وكان ذلك أحد أسباب الابتلاع السعودي المستمر لأراضي الجوف، بالتوازي مع إهمال المحافظة وحرمانها من كل مشاريع التنمية، وزرع الفتن وزعزعة الأمن فيها، بدعم ورعاية النظام السابق.
وبهذا الشأن حدثني أحد محافظي الجوف عن أنه كانت تصله توجيهات رئاسية بصرف سلاح لقبيلة "ذو محمد"، وفي اليوم التالي تصل إليه التوجيهات نفسها لقبيلة "ذو حسين"، ولا يزال حتى اليوم يحتفظ بتلك التوجيهات. وعندما سألته عن سبب استبعاده من منصب محافظ الجوف وتغييره رغم قصر فترته، أجاب بأنه قام ببعض الأعمال التي اعتبرها رأس النظام السابق أخطاء جسيمة، وأهمها:
1ـ قاد صلحا قبليا بين "ذو محمد" و"ذو حسين"، وأطلع مشايخ القبيلتين على التوجيهات الرئاسية بصرف سلاح لكل منهما، ليستمروا في الاقتتال استجابة لتوجيهات الوالي السعودي.
2ـ دعا خبراء وشركات أجنبية للتنقيب عن الثروات المعدنية في الجوف، وكانت النتائج مبهرة وفوق التصور والخيال.
3ـ حصل من روسيا على خرائط المسح الجيولوجي التي تحدد مناطق الثروة الغازية والنفطية في الجوف، وأيضاً كانت النتائج مبهرة؛ لكنها ظلت دراسات مخفية وغير معتمدة من الجهات الدولية التي تحدد كميات الاحتياطي المتوقع من النفط والغاز.
عندما حرر أبطال الجيش واللجان الشعبية مديرية خب والشعف، وصولاً إلى المنطقة الحدودية، كان ذلك إنجازا عظيما جداً لم يحدث منذ 60 عاماً، حيث لم يكن مسموحا للدولة الوصول إلى تلك المناطق، واستخدمت السعودية سياسة الأرض المحروقة (غارات جوية مكثفة على مدار الساعة دون توقف)، وذلك للحيلولة دون استمرار تواجد قوات الجيش واللجان.
ما تعرضت له الجوف تعرضت له كل المناطق الحدودية البحرية والبرية، وبالذات مثلث الكنوز (مأرب - شبوة - الجوف) والربع الخالي والساحل التهامي.
لدينا أحواض نفطية وغازية وليست مجرد آبار، مثل: حوض تهامة، حوض السبعتين، وحوض حضرموت... لدينا 24 منجم ذهب لم يدخل من عائداتها إلى خزينة الدولة ريال واحد منذ 25 عاماً وإلى يومنا هذا.
لدينا أطول ساحل في الخليج، وبالتالي أكبر ثروة سمكية، تعرضت للنهب والاستثمار الشخصي. لدينا أحجار بناء مميزة وفريدة من نوعها وأحجار كريمة ومعادن تمثل ثروة مهولة جداً.
لدينا موانئ ومنافذ بحرية وجزر لو استثمرت بالشكل الصحيح لأغنتنا. لدينا جزيرة سقطرى التي لم يخلق الله مثلها في هذه الأرض. لدينا كل ما يجب أن يجعلنا على رأس قائمة الدول الغنية والمتقدمة؛ لكن لم يكن لدينا حكام وطنيون وأحرار وشرفاء.
الجدير بالذكر أن السعودية لها شركاء في نهب الثروات اليمنية، وقد سمعنا الرئيس الأمريكي السابق ترامب وهو يتحدث عن أن أسباب الحرب هي الثروة الموجودة على طول الحدود اليمنية السعودية، ولم تكن بريطانيا وفرنسا وبعض دول أوروبا غائبة عن عمليات نهب ثروات اليمن.
وبالنسبة للكيان الصهيوني فمصلحته كانت ولا تزال تكمن في باب المندب والمناطق المطلة على خط الملاحة الدولي، وهي مصلحة تجارية وعسكرية في آن واحد، فالبحر الأحمر هو المنفذ البحري الوحيد الذي تمر منه سفن الكيان وكذا بوارجه الحربية، ولدى الكيان تجربة سيئة في حرب 73، عندما أغلق اليمن المضيق أمام بوارج الكيان مما تسبب في خسارته للحرب وهزيمته، وقد عمل الكيان منذ ذلك الحين على عدم تكرار التجربة من خلال فرض سلطة موالية وتابعة وخانعة.
وعندما فقدت السعودية والدول الناهبة لثروات اليمن والكيان الصهيوني عميلهم المطيع (عفاش) لم يشنوا عدوانهم على اليمن، لأنهم فرضوا حينها الدنبوع الذي لن يغير شيئا مما كان يتم؛ لكنهم عندما فقدوا الدنبوع المعد لفترة انتقالية فقط، وفقدوا إلى جانبه البديل المعد لتولي سلطة اليمن لعقود (الإصلاح وبعض شخصيات النظام السابق وفق إعادة توزيع السلطة)، جن جنونهم، لاسيما وأن من باتوا يمسكون بزمام الأمور (الأنصار) يرفضون التبعية والوصاية وينشدون استقلال اليمن واحترام قراره وسيادته، ولم يتمكن العدو من شراء ذممهم ولا لَي ذراعهم.
قد يرى البعض أن الفترة السابقة، فترة ما قبل العدوان، كانت أجمل بكثير مما نحن فيه، وهذا صحيح، لكننا في حقيقة الأمر كنا في مستوى معيشي أقل بكثير جداً مما يجب أن نعيشه، وذلك بفعل الخيانة والتبعية والوصاية، والكارثة الإنسانية التي نعيشها اليوم تسبب بها أقبح عدوان كوني شهدته البشرية، وهي فترة مخاض مؤلم لتحقيق أسمى الأهداف.
الرسالة التي يعمل العدوان على إيصالها إلى المجتمع اليمني هي أن الأنصار رجال حرب ولا يصلحون للإدارة والحكم والسياسة. وللأسف الشديد، هناك من المسؤولين من يساهم في ترسيخ هذا المفهوم ويجعله قناعة لدى الآخرين (بقصد أو بغير قصد)، وهؤلاء لا أشك البتة في قدوم موجة تصحيح تجتثهم من جذورهم قريباً جداً بإذن الله.
أما من يعتقد أن الحكم والسياسة يجب أن تستند إلى التبعية والخنوع فهو ملوث فكريا ولا يعرف معنى الحرية والكرامة ولا يعي مفهوم السيادة والاستقلال وفق مبدأ الاحترام المتبادل، فمن نجح في صد ومقاومة أقبح عدوان كوني لن يعجز عن إدارة الدفة والقيادة والمضي قدما نحو التنمية المستدامة والبناء والتطور والمواكبة، وستكون مهمته أسهل بكثير مما هي عليه اليوم، لأنه سيقود يمنا حرا ومستقلا وخاليا من التبعية، ومن نجح في بعض الجوانب الإدارية في ظل العدوان سيبدع ويتميز في ظل الاستقرار، فما بالكم بمن أبدع وتميز في ظل العدوان؟!
الكثير من الأعمال الرائعة تستحق التقدير والإشادة، وعلى رأسها استتباب الأمن في أصعب ظرف.
نعم، هناك إخفاقات وفساد مالي وإداري وإهمال وفشل في بعض الجوانب؛ لكنه لا يقارن بما عانيناه إبان النظام السابق بسبب التبعية وغياب الوطنية. والمقياس الحقيقي والتقييم المنصف سيظهر عند استقرار اليمن وتحرره واستقلاله. عندها فقط ستعرفون أننا كنا نعيش أسوأ حقبة في تاريخ اليمن، وأننا بلد الخير ولا حاجة لنا للاغتراب، وسيمتلئ وطننا الخام باستثمارات من كل بلدان العالم، فلا يغشكم العدو ويجعلكم تعتقدون أن الماضي كان أجمل، فهو من أوصلنا بعدوانه وحصاره وحربه الاقتصادية إلى أن نعيش أسوأ كارثة إنسانية، وإذا انقشع الظلام وأدركنا النور سنعرف ما هي الحياة الحقيقية التي نستحقها وحرمنا منها العملاء والخونة وبائعو الوطن المتخمون بأرصدة من أموال وثروات الشعب المنهوبة.
نحن بين خيارين لا ثالث لهما: إما استمرار التبعية والوصاية، وبالتالي استمرار بقائنا أفقر شعوب العالم رغم أننا نعيش في أغنى بقعة على الأرض؛ وإما استمرار النضال والكفاح والجهاد إلى أن نحصل على الاستقلال والسلام العادل والمشرف، ومن هنا يبدأ اليمن بالانطلاق نحو التنمية ويستعيد تصنيفه الرباني "بلدة طيبة".

أترك تعليقاً

التعليقات