خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -
قبل البدء بتوضيح ما فقده اليمن من خلال "اتفاقية جدة" لا بد من توجيه الشكر والتقدير لقيادات أبناء الجنوب الذين رفضوا حتى مجرد المساومة بشأن الأراضي اليمنية، بل وخاضوا حربا ضروسا ضد السعودية في كانون الأول/ ديسمبر 1969 لاستعادة ما احتلته وكادوا يستعيدون شرورة والخراخير والوديعة، لولا التدخل الجوي الأمريكي الذي جاء بناء على استغاثة السعودية، بالإضافة إلى تدخل مرتزقة مأجورين استأجرتهم السعودية للقتال بعد أن فر جيشها أمام هجمات الجيش اليمني، وما أشبه اليوم بالبارحة!

لطالما تساءل الكثيرون عن أسباب ابتلاع السعودية لأراضٍ يمنية في مناطق صحراوية، لاسيما المناطق التي لا تحتوي على حقول نفطية أو غازية منتجة، كما فعلت في كل توسعاتها الاستحواذية في جميع دول الجوار السعودي. ولا شك أن الدراسات الجيولوجية كانت السبب، فلم تستولِ السعودية على أراضي اليمن في مناطق الصحراء القاحلة مثل صحراء الربع الخالي وصحراء الجوف بناء على تنبؤات أو تخمين أو لمجرد التوسع، وإنما بناء على دراسات ومسوحات تمت لتلك المناطق، وكانت نتائجها مذهلة، فلم تكن مناطق واعدة بالثروات فقط، وإنما مناطق تشكل مخزونا استراتيجيا ضخما من الثروة النفطية والغازية والمعدنية وكذا من المياه الجوفية. أما المناطق الخالية من الثروة فنلاحظ أن السعودية قد تستغني عنها بسهولة، كما فعلت في "اتفاقية جدة" لترسيم الحدود، حيث استغنت عن مناطق تفتقر لكل مقومات الحياة، وحينها ذيع بين اليمنيين أن "اتفاقية جدة" كانت مكسبا وإنجازا عظيما لليمن، بينما الحقيقة مختلفة تماما عما روج له الخونة ليبرروا جريمتهم النكراء في بيع أراضي اليمن الغنية بالثروات.
ففي تلك الاتفاقية خسرنا الكثير والكثير، وبالإمكان حصر أهم ما فقدناه على النحو التالي:
1ـ أول ما فقدناه هو المحافظات الثلاث (جيزان، نجران، عسير)، فبعد انتهاء "اتفاقية الطائف" التي كانت السعودية مضطرة لتجديدها ما لم فسيتم عودة الأراضي اليمنية إلى ملكية وسيطرة اليمن، نظراً لانتهاء الفترة المنصوص عليها في "اتفاقية الطائف"، إلا أن النظام السعودي سارع إلى وضع اللبنة الأخيرة لابتلاع المحافظات الثلاث من خلال اتفاقية جديدة تكون بمثابة ترسيم حدودي جديد يلغي كل بنود "اتفاقية الطائف"، وهذا ما حدث بالفعل، وبدلا من الاستعادة تمت شرعنة الابتلاع السعودي لجيزان ونجران وعسير، وهي محافظات تنتج ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميا. وبغض النظر عن الثروة فالمؤلم في الموضوع هو معاناة أهالي المحافظات الثلاث من بطش وجبروت النظام السعودي الذي يتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الرابعة، ويعمل على قمعهم وظلمهم وإعدام علمائهم وشبابهم لمجرد رفضهم للظلم والضيم ومطالبتهم بالعدالة والإنصاف والحرية.
2ـ ما تم من ابتلاع لأراضي اليمن بمساحات شاسعة في الجانب الشمالي للحدود اليمنية تم أيضاً في اليمن الجنوبي سابقا ومن خلال "اتفاقية جدة"، حيث فقدنا جنوبا مناطق مهمة جدا، وهي شرورة والخراخير والوديعة، لأن "اتفاقية جدة" لم تدرج هذه المناطق ضمن إطار الأراضي اليمنية.
3ـ أثناء المحادثات هرعت السعودية إلى احتلال مجموعة جزر الانتفوش اليمنية، ومنها جزيرتا "جريم" و"ذي حراب" على البحر الأحمر قبالة ساحل ميدي. وللعلم والإحاطة فإن تلك الجزر من المناطق الغنية بالغاز، وحالياً تخضع الجزر لعمليات استكشافات نفطية وغازية. وفي "اتفاقية جدة" لم يتحدث أحد عن تلك الجزر. وهذا معناه أنها بيعت للسعودية بدم بارد.
4ـ أما الجوف -وما أدراكم ما الجوف!- فلم تغفل عنها عين السعودية تماما كما لم تغفل عين أمريكا عن اليمن، بحسب ما صرح به أحد وزراء خارجية أمريكا. وقد نجحت السعودية بالسيطرة على الجوف تماما من خلال خطوات تمت سابقا تتمثل في شراء ذمم بعض أهم مشائخ وأعيان الجوف وصرف مرتبات شهرية لهم؛ لكن المقابل كان مؤلماً ومحزناً جداً، فهي أكثر محافظة تفتقر للخدمات والبنى التحتية (طرقات، مياه، كهرباء... إلخ)، وكان أهالي الجوف أشد فقرا من غيرهم، وهذا الموضوع قد تناولناه بتفاصيل أكثر في سلسلة مقالات نشرت سابقا في صحيفة "لا" بعنوان "نتائج تبعية وخيانة النظام السابق".
أما عن المساحات التي سيطرت عليها السعودية في الجوف بشكل مباشر من خلال "اتفاقية جدة" فترونها بوضوح عند استعراض خارطة اليمن قبل وبعد الاتفاقية، إضافة إلى المنطقة الفاصلة والمساحة التي حددت وتحديد استخدامها كمراعٍ لا أكثر، وتحديد الاشتراطات بعدم التنقيب والاستكشافات في المناطق الحدودية، وذلك لم يكن فقط للبسط والسيطرة ونهب ما فيها من ثروات فقط، وإنما أيضاً للاقتراب من المياه الجوفية ونهبها من خلال مضخات تضخ المياه إلى السعودية من بحيرة العرب الموجودة في قلب الجوف، والتي تبلغ مساحتها 400 كيلومتر (لاحظوا خارطة جغرافيا بطلميس)، علما بأن المراقبين يرون أن التنافس والصراع العالمي القادم سيكون على المياه، باعتبارها عنصرا أساسيا في حياة البشرية، كما أنها العنصر الأهم للوصول إلى الاكتفاء الذاتي زراعيا، لاسيما في الدول ذات الأراضي الخصبة. كل ذلك إلى جانب ما تحدث عنه كثير من الدراسات والتقارير بشأن المخزون النفطي والغازي الهائل والثروات المعدنية الموجودة في محافظة الجوف.
5ـ استغلت السعودية عدم ترسيم الحدود في صحراء الربع الخالي واستمرت بابتلاع أجزاء من الصحراء على مراحل، لدرجة أن السعودية كانت تغير باستمرار خارطتها الجغرافية بعد ضم أجزاء جديدة من صحراء الربع الخالي، وفي "اتفاقية جدة" لترسيم الحدود لم يذكر الجانب اليمني هذه المساحات، واعتبروا الحدود الفاصلة في صحراء الربع الخالي هي الحدود المتفق عليها في الاتفاقية الجديدة، وهي آخر نقطة وصلت إليها السعودية في تلك المنطقة داخل الأراضي اليمنية.
الجدير بالذكر أن الأغلبية العظمى للشعب اليمني لم يكونوا على علم واطلاع ومعرفة بتفاصيل الاتفاقية، وتم الاكتفاء بتصويت مجلس النواب اليمني على الاتفاقية، باعتبار أعضاء المجلس ممثلين عن الشعب، فيما كانت سياسة التجهيل الجغرافي هي السائدة، لدرجة أن معظم اليمنيين لم يعلموا بأسماء ومواقع كثير من الجزر اليمنية. أما عن ثروات اليمن بجميع أشكالها والاحتياطيات الحقيقية فكانت من الأسرار التي لا يعرف تفاصيلها إلا قلة قليلة جداً، وكان الحديث عنها يعتبر من المحظورات، حتى الإنتاج الفعلي للنفط والغاز والذهب لا يوجد له أي بيانات موثوقة وموثقة وصحيحة بغض النظر عن المعلن بشكل رسمي.

الشعب يطالب بإلغاء "اتفاقية جدة"
ما سبق شرحه بشأن "اتفاقية جدة" كان الجانب المظلم والمؤلم؛ إلا أن الموضوع ليس بذلك السوء في حال رفعنا قضية إلى المحكمة الدولية وطالبنا بإلغاء "اتفاقية جدة" واستعادة نجران وجيزان وعسير، بحكم انتهاء الفترة الزمنية لـ"اتفاقية الطائف" دون تجديد، فهذه أرض يمنية وهي ملك الشعب اليمني وليست ملكا للأنظمة العميلة، ولا يحق لأحد أن يمنحها للسعودية أو لغيرها. كما أن "اتفاقية جدة" ليست قانونية، وبالإمكان نقضها مثلها مثل أي اتفاقية مجحفة بحق اليمن، كاتفاقيات تصدير الغاز والنفط واتفاقيات التنقيب والإنتاج المعدني، لاسيما وأن كل ذلك تم بسبب الخيانة والعمالة والفساد ولا يوجد فيه أي وجه ومبرر ومسوغ قانوني.
وعليه، نأمل إحالة ملف "اتفاقية جدة" الحدودية وكذا ملف اتفاقية الغاز المسال وغيرها من الاتفاقيات المجحفة إلى القضاء اليمني لإلغائها، وتكليف فريق قانوني من المحامين الدوليين لتجهيز ملفات لهذه القضايا بالشكل القانوني، واتخاذ كافة الخطوات اللازمة لرفع قضية في المحكمة الدولية، خاصة بعد أن منَّ الله على وطننا الحبيب بقيادة وطنية تراعي مصالح الوطن وترفض التبعية والوصاية وتسعى جاهدة لينال اليمن حريته واستقلاله، ويمضي نحو النهضة والتطور والبناء والتنمية المستدامة بعون الله تعالى وبجهود السيد القائد وكل المخلصين سلام الله عليهم أجمعين. والله الموفق والمستعان.

أترك تعليقاً

التعليقات