أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

أخذ الإنتاج الزراعي القسط الأكبر من اهتمام الرئيس الشهيد الصماد، دون إغفال الصناعة، وهو أمر طبيعي، إذا ما عرفنا أن اليمن بلد زراعي في الأساس ومعظم سكانه ريفيون ومعظم قواه العاملة تشتغل في القطاع الزراعي، وهو القطاع الذي استهدفه تحالف العدوان بشكل كبير. 
قال الصماد: "ما أحوجنا أيها الإخوة والأخوات إلى بناء الدولة عندما نكون بعد خمسين عاماً من ثورة السادس والعشرين من سبتمبر نفتقد إلى مصنع للصلصة، مصنع يستوعب منتجات المواطنين التي أحياناً يضطرون -بسبب سوء التسويق- إلى أن يتلفوا هذه المواد ولم نحصل على هذا الشيء، لكي يستوعب هذه المخرجات لتشجيع المزارعين.
نفتقر إلى مصنع لعصير المانجو. هذا المانجو الذي نشربه بودرته من الخارج، وغلافه من الخارج، والآلة التي تصنع من الخارج، والسكر الذي يذاب فيه من الخارج... ونحن لدينا أجود أنواع المانجو، ومع ذلك إذا لم يحصل تسويق، خاصةً في مثل هذا الوقت مــع الحصــار ومـــع استهــداف الأعــــداء لضرب المنتجــات الوطنية، فإنهــــا تتلف هذه المواد وتتعفن. نحــن في أمس الحاجة إلى بناء ذاتي فعلاً يحقق الاكتفاء الذاتي لأبناء شعبنا بما تعنيه الكلمة. لذلك من المهم جداً أن نفهم ماذا تعني الدولة، إنها دولة للشعب وليس شعب للدولة. الشعب هو الرافد الكبير، ورأينا عندما تلاحم الشعب والدولة كيف صمدنا هذا الصمود الأسطوري". 
وفي توجهه نحو إرساء القانون وحماية المشروعية التجارية ومن أجل سلاسة حركة النشاط الاقتصادي، وتشجيع بيئة الاستثمار التجاري الخاص الذي له دور في فتح ثغرات من الحصار المفروض على البلد بشكل عام وبشكل خاص على الشركات الحكومية، تنبه الرئيس الصماد إلى تقنين الضرائب التي تؤخذ من الشاحنات، ووجه الأجهزة الأمنية بعدم أخذ أي مبالغ غير مشروعة، وحماية الحركة التجارية من كل أشكال السرقة والابتزاز. 

مكافحة الفساد وتعزيز المنظومة القضائية 
يعمل الإداريون في القطاع العام للدولة اليمنية، بصفتهم الكتلة العاملة الفنية للفئة الحاكمة، في جو معقد من الصراع وتصادم وتشابك المصالح الاجتماعية، والتأثيرات الحزبية المتناظرة، بل والتأثيرات الخارجية، وغالباً ما يكسب ذلك أفعالهم نزعات متأتية عن السعي إلى مراعاة مصالح الأقلية الحاكمة، ومعارضيها، والدخول في قوى الثورة والوقوف ضدها في آن، لكي يضمنوا ثبات مواقعهم في حالة تغير التركيبة السياسية الحاكمة. وقد ترسخ هذا الجو الفاسد بفعل الإرادة السياسية الفاسدة التي كانت سائدة، ليصبح الفساد أول الخصوم الذين ينبغي مواجهتهم للانتصار للثورة والوطن، ولتصبح عملية مكافحة الفساد جبهة متقدمة في مواجهة العدوان.
وللإداريين في أجهزة الدولة تأثير في إعاقة أي تقدم سياسي بإمكانه أن يفضي لتقدم اجتماعي عام. فهذه الشريحة تقف بمواجهة أي حكومة حازمة نسبيا ولها توجهات وطنية النزعة. فبوسعهم التعجيل بتنفيذ أو عرقلة تنفيذ هذا القرار أو ذاك أو تنفيذه على نحو مخالف لمضمونه. فثمة هامش لاستقلاليتهم عن القيادة السياسية للدولة. ولهذا اصطدمت كثير من قرارات الصماد بإعاقة من قبل البيروقراطية الإدارية، وهذا الأمر حفزه لخوض هذه المعركة مع الفساد. 
تحلى الصماد بمسؤولية عالية في الوقوف أمام ظاهرة الفساد متجاوزاً الروابط الحزبية إلى عمومية الهم الوطني، رافضاً أن يكون غطاءً لفساد أي قوى، ولو كانوا من تنظيمهِ: أنصار الله، ورافضا أن توظف مؤسسات الدولة لغير ما بنيت له، وهذا الإخلاص والتفاني هو من جنس رؤيته للإصلاح الإداري القائم على العمل القانوني الدستوري لا المحاصصة، وعلى مكافحة الفاسد. ولطالما خاطب الرئيس الشهيد الصامد حكومة الإنقاذ أن تستوعب من اسمها مهامها، مؤكدا للشعب أن الحكومة والمجلس السياسي منه وإليه، وأنه لن يسمح باستغلال المناصب لأي مصالح شخصية أو حزبية، وأن من لم يرقه خدمة الشعب اليمني فليذهب. وقد تعامل الرئيس الصماد مع قضية مكافحة الفساد بمسؤولية عالية، باعتبارها أحد أركان عملية البناء، مُبعداً قضية الفساد ومكافحة الفساد عن الحقل الإعلامي السياسي الذي يأخذ طابع المزايدات السياسية في تناوله لقضية الفساد. 
كما أولى الرئيس الشهيد صالح الصماد في خطاباته اهتماما كبيرا للسلطة القضائية والرقابة والتفتيش في مكافحة الفساد وإحلال العدل، باعتبار ذلك من أهم الواجبات التي يجب أن تضطلع بها مؤسسات الدولة. حيث رفع قضية دعم السلطة القضائية وتفعيلها إلى مرتبة القضايا الأولى، التي يجب أن يهتم بها المجلس السياسي الأعلى. جاء هذا الخطاب في فترة ساد فيها جو مشحون بالتوتر بين المؤتمر وأنصار الله. وهذا الأمر كان ضاغطاً إضافياً على الرئيس الصماد وجعله أكثر إصراراً على تقوية أجهزة الدولة، وفي مقدمتها القضائية حتى تصبح أكثر قوة، ولا يتأثر الصمود الوطني بالخلافات بين القوى السياسية المشكلة للمجلس السياسي الأعلى. قال الصماد: 
"ما بعد هذا العام لن يكون كما قبله أنا مضطر كرئيس للمجلس السياسي الأعلى وواجهة أمام الشعب، أن أقول إن المجلس السياسي الأعلى بجميع أعضائه معنيون أكثر من أي وقت مضى بالتحرك الجاد والمسؤول لتعزيز دور السلطة القضائية وتفعيل مؤسساتها لنحقق العدل ونعالج الاختلالات، بإعادة النظر في كل من يقف عثرة في سبيل ذلك، من أي انتماءٍ كان، من رأس الهرم الوظيفي حتى آخره، وفقاً للدستور والقوانين النافذة. نحن معنيون بإصلاح الأجهزة الرقابية وتفعيل منظومة الرقابة الشاملة وإزالة كل العقبات التي تقف أمام هذا التوجه وفقاً للدستور والقانون. نحن معنيون بإعادة النظر في برنامج الحكومة وعدم السماح لأي طرف بالمزايدة على أدائها، وعلينا أن نضع لها البرامج التي تواكب التحديات وتتلاءم مع الظروف وفق خطط مزمنة، ومتابعة وتقييم مستمر ورقابة فعالة، وأي عضو فيها عليه ألا يلتفت إلى هذا الطرف ولا إلى هذا الطرف، عليه أن يلتفت إلى مهمته ويتحرك لتنفيذها، وإلا فليغادر غير مأسوف عليه".
وقد حمل الرئيس الشهيد الصماد مشروع الإصلاحات عبر المؤسسات الدستورية والقانونية وفق مبدأ المواطنة في الحساب والعقاب، متجاوزاً الحصانات الدستورية التي تُخلع على الحكام، وعلى أساس الشفافية وإطلاع الجماهير على هذه التقارير الداخلية. وهذا المنطق متطور جداً وركن أساسي في أنظمة الديمقراطية الشعبية.
كما اهتم الرئيس الشهيد صالح الصماد بتقديم الحقيقة للشعب والجماهير في القضايا السياسية والاقتصادية والإدارية. وإذا كنت الحصانة الدستورية لشاغري الوظائف العليا قد أسقطها الصماد بمنطقه الصارم على الرقابة والمحاسبة، فإنه أيضاً وفي الوقت ذاته أسقط الحصانة غير الشرعية والحظر غير الدستوري الذي يمنع الأجهزة الرقابية من الوصول إلى بعض الوحدات الإيرادية في الدولة، والتي كانت سائدة سابقاً، وخاصة فيما يتعلق بعملية استخراج وتسويق النفط، حيث إن القوى المستفيدة من نهب النفط كانت تمنع اقتراب أي جهة رقابية من مواقع نهبها. كان على رأس هذه القوى الفاسدة رئاسة الجمهورية والبيروقراطية الإدارية في مختلف مستوياتها التابعة للحزب الحاكم. 
وإذ رأى الرئيس الصماد أن عرقلة نشاط أجهزة الرقابة والمحاسبة كانت تتم بإرادة سياسية من قبل النظام السابق، فإنه اليوم لم يعد هناك ما يمنع عمل الأجهزة الرقابية. وتنبع هذه الثقة العالية من قبل الرئيس الصماد، والتوجه الجاد نحو مكافحة الفساد، من حقيقة أن الرئيس الصماد وقوى ثورة 21 أيلول جاؤوا من خارج الأقلية المسيطرة سابقاً، والتي كانت تشبع مصالحها الخاصة بالفساد ونهب المال العام. 
واكتسبت عملية مكافحة الفساد بالنسبة للرئيس الصماد أهمية بالغة في هذه المرحلة التي تتطلب تظافر الجهود من أجل تعزيز الموقف العسكري لرجال الجيش واللجان الشعبية، ويتطلب الواقع الاقتصادي اليمني المحارب وحاصر كل ريال ما زال يتسرب من القنوت الإيرادية.

أترك تعليقاً

التعليقات