أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

حرب العملة ضد بريطانيا
شنت ألمانيا حرب عملة على بريطانيا خلال الفترة 1942 - 1945 حيث استطاعت ألمانيا طباعة أموال بقدر 132 مليون جنيه إسترليني، وكان هذا المبلغ أكبر من الاحتياطي الموجود في البنك البريطاني، وحاول الجيش الألماني إنزاله من الجو إلى الأراضي البريطانية بواسطة سلاح الطيران. وكان الحجم المزور بدقة عالية من الجنيه الاسترليني كفيلاً بإحداث تضخم كبير جداً وقادر على صنع دمار عالمي للدول المتعاملة بالجنيه الإسترليني. لكن ألمانيا لم تستخدم هذه الورقة، لأنها كانت متقدمة في الحرب بحيث كانوا يتوسعون بدول أكثر ويحققون مكاسب على مستوى الحرب العالمية الثانية. وعندما بدأت ألمانيا تخسر الحرب بدأت باستخدام هذه العملة المزورة، ولكنها لم تنجح، لأن بريطانيا كانت قد كسبت الحرب وتقدمت على ألمانيا، إلا أنه تم استخدام بعض من هذه العملة المزورة، ولكن بريطانيا سحبت العملة وأجرت تغييرات بسيطة على عملتها وسيطرت على الموقف.

حرب العملة ضد فرنسا 
في فرنسا قامت حكومة فرنسا الحرة بإجراءات دفاعية وهجومية استهدفت منع استخدام العملة المزورة، واستخدام آليات مبتكرة لمواجهة الحرب الاقتصادية التي كان من أهم آثارها المدمّرة ظهور السوق السوداء في المناطق الحرة والمناطق المحتلة على حد سواء، مما أوجد نوعا من التوازن في الحرب الاقتصادية، لكن آثارها السلبية كانت كبيرة ومدمرة في الأراضي الخاضعة للاحتلال النازي.

الحرب المالية على اليمن 
لم يقتصر التدخل العسكري الأمريكي السعودي ضد اليمن على الجانب العسكري فقط، فمنذ البداية انتهج "التحالف" أكثر من مسار واستراتيجية، وكانت الحرب الاقتصادية موازية للحرب العسكرية في كل مراحل العدوان.
ارتكب التحالف جرائم اقتصادية عديدة متعمداً استهداف القيمة الشرائية، وتحويل اليمنيين إلى لاجئين ومرتزقة يقايضون حريتهم بالخبز والدواء، وكذلك تحويل الجمهورية اليمنية سوقا استهلاكية لمنتجات الاحتكارات الأجنبية للدول المشاركة في العدوان. ولذلك فقد تعامل "التحالف" مع البنية التحتية للاقتصاد اليمني كهدف عسكري، مخالفاً بذلك كل القوانين الدولية. 
منذ مطلع العام 2016 بدأ العدو ومرتزقته بالاتجاه نحو إعاقة حركة انسياب الأموال وتدفقها من وإلى البنك المركزي من جانب وبين المحافظات الشمالية والجنوبية، وأعقب ذلك تكديس السيولة وتجميدها، بل وصل الأمر إلى مصادرة رواتب الموظفين في محافظتي عدن وحضرموت من خلال اعتراض طائرات الشحن المستخدمة في نقل المال وإجبارها على تغيير مسارها إلى مطار بيشة السعودي واحتجاز الأموال. 
خلال النصف الثاني من العام 2016، عملت الحكومة العميلة على استهداف ما تبقى من الإيرادات العامة الواقعة في مناطق السُلطة الوطنية، كإيرادات الجمارك والضرائب، عبر تشديد القيود على الحركة الملاحية في ميناء الحديدة، أو عبر استهداف قطاع الاتصالات والتبغ والكبريت، وصولاً إلى منع تدفق تحويلات المغتربين إلى المحافظات الشمالية.
بعد تعثر مشاورات الكويت في العام 2017 وفشل تحالف العدوان في تحقيق مطامعه الاستعمارية بالخديعة السياسية، قام تحالف العدوان بنقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى عدن، فانقطعت رواتب الموظفين وفقد البنك في صنعاء القدرة على التحكم بالسياسة المالية. وقد جاء قرار نقل البنك المركزي بأوامر من السفير الأمريكي، الذي هدد بأن قيمة العملة اليمنية لن تساوي قيمة الحبر المطبوع. وقد طبع بنك عدن من العملة خلال سنتين أكثر مما تم إصداره في اليمن خلال ما يزيد عن 40 عامًا، ليصل المبلغ المطبوع إلى تريليون و700 مليار ريال. 

نحو مواجهة الحرب المالية ضد بلادنا 
يجب المضي في قرار حظر التعامل بالعملة "الجديدة"، والعمل على إنتاج بدائل لمعالجة مسألة ضعف السيولة التي قد تعود مجدداً، وذلك بإصلاح ما رافق إشكاليات البدائل السابقة التي تم تطبيقها سابقا (الكوبونات المالية)، المتمثلة في غلاء السلع التي تبتاع بالكوبونات، وفي حصر قبول التعامل بها مع جهات تجارية محددة تصبح في موقع الاحتكاري، والعمل على النقيض منذ ذلك عبر إتاحة التنافس التجاري في قبول الكوبونات المالية والعملة الرقمية، وتوسيع هذه العملية خاصة في عواصم المدن، حيث توجد إمكانية تقنية لممارسة هذا النوع من النشاط.
كما ينبغي دراسة التجربة الفرنسية في الحرب الاقتصادية الهجومية والدفاعية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، لأنها كانت مقسومة إلى نطاق محتل من قبل الجيش النازي، ونطاق حر يسيطر عليه الجيش الوطني بقيادة الجنرال شارل ديجول.
ونحن في حاجة إلى الاستفادة من التجربة السورية، حيث قامت تركيا والسعودية بطباعة كميات مزورة هائلة من العملة خلال سنوات الحرب الكونية التي استهدفت تفكيك سوريا، ومن الضروري طلب معرفة مفصلة عن مواجهتهم لحرب العملة. 
ومن المهم ونحن نتخذ هذه الخطوة الاستعداد لتدابير اقتصادية ومالية قاسية لضمان تدوير العملات المزورة وإعادتها إلى المحافظات والمناطق اليمنية التي تسيطر عليها قوات العدوان والاحتلال ومرتزقتها، وسيكون من غير المفيد منع استخدام العملة المزورة في الأراضي اليمنية الحرة بدون وجود استراتيجية دفاعية وهجومية مزدوجة وواضحة.
وهناك ضرورة التنسيق مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لكي يتحملا مسؤوليتهما بموجب القانون الدولي لمنع تدهور الأوضاع في هذه المرحلة الحاسمة من مسار الحرب التي أصبح المجتمع الدولي مقتنعا بضرورة وضع حد لها. كما أن من المهم استخدام القوة العسكرية اليمنية الدفاعية لتنفيذ ضربات تستهدف المؤسسات النقدية لعواصم العدوان إذا لم يتم وقف حرب العملات.



تنويه من الكاتب: تم استقاء المعلومات المتعلقة بالتجربة النازية ضد فرنسا وبريطانيا من منشور الكاتب أحمد الحبيشي، ومن حقه الأدبي التنويه. 

أترك تعليقاً

التعليقات

سمير الاحمد
  • السبت , 18 يـنـاير , 2020 الساعة 6:30:57 AM

طالما هذا الشرح الوافي للدور الأمريكي في الشرق الأوسط صحيح. لماذا كان الاصطفاف ضد الالعراق في هجوم أمريكا والتحالف الثلاثين.