أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

إن تحليل مضمون خطابات الرئيس الشهيد صالح علي الصماد ليس إعمالاً للفكر في حقل الدلالة الفلسفية، والرؤى الذاتية للشخصية، بل هو استخلاص وتحليل للتوجهات السياسية في موضوع دراستنا هذه: «مشروع الدولة الوطنية» في خطاب الرئيس الشهيد صالح الصماد، أي: رؤية الصماد لما يجب أن تكون الدولة الوطنية اليمنية، وعلى أي أسس تتم عملية تطويرها والبناء التراكمي عليها.
مضامين خطابات الرئيس الصماد عن الدولة الوطنية، كمحددات مشروع، أو كموضوعات برنامج سياسي. تعد مصدراً أميناً لعكس رؤية أنصار الله إلى علاقتهم مع الدولة اليمنية والفضاء العام. وليس هناك تناقض بين وطنية الرؤية ووطنية وعمومية شخصية رئيس الجمهورية الشهيد صالح علي الصماد، وبين اعتبار رؤيته صادرة عن تنظيم مُعين (أنصارالله)، فالشكل البرامجي السياسي هو مستوى راقٍ من تقديم الذات للآخرين، وعبر الصماد قدّمَ أنصار الله برنامجهم ونموذجهم الوطني؛ فإلى جانب الإبداع الفكري الذاتي للصماد وتساميه السلوكي الذي جسد الوطنية كإنسان ومناضل ومجاهد وطني، فإنه يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن مضامين خطاباته هي أيضاً رؤية قوى ثورة 21 أيلول 2014 عموماً ورؤية أنصار الله، وهذا بالطبع لا يعني أنها موجهة سلفاً من قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، فقد مارس الصماد مهامه كرئيس للجمهورية وهو يتمتع بمستوى من الاستقلالية عن الموقع التنظيمي الذي يشغله في أنصار الله. 
تتناول خطابات الشهيد الصماد الموقف من الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر، وتقدم فهماً سياسيا لأهداف الثورة وفق متطلبات الواقع الراهن، ومنها الوحدة والديمقراطية والسيادة وبناء الجيش والحريات المدنية ودور المرأة والإصلاح الاقتصادي ومكافحة الفساد والمساواة وسيادة القانون وقضايا السلام والمفاوضات والعلاقات الخارجية... وتزخر خطابات الرئيس الشهيد صالح علي الصماد بهذه المفاهيم والقضايا، التي جسدها كممارسة وسعى لها كتوجه في فترة توليه الرئاسة، انطلاقاً من روح ثورة 21 أيلول، مُثبتاً قدرة هذه الثورة الشعبية على حمل قضية وطنية عامة، قضية إدارة الدولة على أسس وطنية وحماية مؤسساتها وإصلاحها وتعزيز حضورها، وكيف لا تتجسد في قوى ثورة 21 أيلول وفي مكونها الطليعي (أنصار الله) هذهِ الوطنية وهم من يقودون الحرب الشعبية التحررية اليمنية ضد العدوان الاستعماري التوسعي، ويقدمون مع الشعب في سبيل ذلك أفدح التضحيات. 
ويُمكن القول بأن أحد أبعاد اغتيال الرئيس الصماد -من الأبعاد والأهداف الاستراتيجية العديدة- محاولة ضرب أي تجربة يُثبت فيها أنصار الله اندماجهم السياسي والمؤسسي في الشعب وفي همومه وقضاياه، وقدرتهم على التعامل والتعايش مع الكل اليمني، وقدرتهم على التعبير عن قضايا تشغل بال كل اليمنيين بتعددهم وتنوعهم، على عكس الدعايات العدوانية التي تعمل على إظهار أنصار الله كمكون غريب عن اليمن فئوي عصبوي ضيق الأفق، عدواني عسكري يعجز عن التعايش مع الشعب، وعن قيادة دولة التعامل السياسي مع دول الإقليم والعالم. 

الجمهورية الديمقراطية وقضايا الوحدة والشراكة الوطنية 
تظهر قوى ثورة 21 أيلول في خطابات الرئيس الشهيد صالح الصماد امتدادا للحركة الوطنية اليمنية، كما هي حقاً في الواقع. يأتي هذا الفهم في خطابات الصماد من خلال تقديمه لملامح مشروع بناء الدولة وواجبات أجهزتها ودوره كأعلى مسؤول فيها، كدولة جمهورية ديمقراطية، كاملة السيادة وطنية خالصة، تحمي مكتسبات الثورة اليمنية التاريخية السبتمبرية الأكتوبرية من المعتدين، ووطن قومي لكل اليمنيين. ولهذا أكد الرئيس الشهيد صالح الصماد في مختلف خطاباته على توجهاته نحو الشراكة، وتقديم مبادرات السلام والتفاهم مع القوى اليمنية، لسحب البساط من تحت تحالف العدوان، وتأكيده أن يكون من موقعه في رئاسة الجمهورية مظلة للجميع بتعددهم وتنوعهم. 

ديمقراطية ذات مضمون شعبي
 تتجلى الديمقراطية في فكر الشهيد الرئيس صالح الصماد من حيث مضامينها وأهدافها وضروراتها، ديمقراطية ذات مضمون شعبي، الأقرب إلى مفهوم «الديمقراطية الشعبية»، وهو النموذج الديمقراطي المناوئ للديمقراطية الغربية، الذي كان مُميزاً للمعسكر الشرقي سابقاً. وقد برزت الديمقراطية الشعبية في النصف الثاني للقرن العشرين مع تصاعد حركات التحرر الوطنية ضد الاستعمار والهيمنة الأجنبية. وليس من المستغرب أن تقترب في عالم الأفكار رؤية الرئيس الشهيد الصماد للديمقراطية من مفهوم «الديمقراطية الشعبية»، فهو الثائر الشعبي، أحد كبار المفاوضين السياسيين لأنصار الله، ومستشار رئيس الجمهورية المنتهية ولايته (هادي)، صاحب الرأي والتحليل للقضايا التاريخية اليمنية، ومعظم القضايا التاريخية في الواقع اليمني، كالقضية الجنوبية والحروب الست على صعدة والإقصاء والتهميش، وتوقف عملية الانتقال السياسي منذ العام 2009. كل هذه القضايا أثبتت فشل الديمقراطية الغربية السائدة وفق الرؤية الأمريكية الأوربية، التي انحصرت في الشكل الانتخابي وتخلت عن المضمون الاجتماعي السياسي الضامن لها، والذي يجعل الإنسان مالكا للسيادة والقرار وقادراً على صياغة واقعه ومستقبله، ومحدداً لسياسته الخارجية كانعكاس لسياسته وحاجاته الداخلية. 

شرعية الشعب ودوره في صناعة التاريخ
في معمعان الصراع الحاد مع القوى الاستبدادية منذ 2004، ومع القوى الاستعمارية منذ العام 2014، فرضت هذه الظروف الموضوعية العامة أن تُطرح قضية الشعب والمجتمع في فكر أنصار الله عموماً، وفي فكر الرئيس الشهيد صالح الصماد، وتتفوق على قضية الفرد ومتطلباته الخاصة، دون تجاهلها ونفيها التام. وقد عزز مجرى الصراع مع القوى الاستبدادية المعادية للديمقراطية والمتنازلة عن السيادة الوطنية القناعة بدور الشعب والمجتمع الحاسم في الثورة والتغيير والتطور الاجتماعي. فالشعب كما يؤكد الرئيس الصماد هو صاحب الشرعية وصانع التاريخ. وانعكاساً لهذا الإيمان العميق بالشعب وقدرته على التغيير يعول أنصار الله في مسيرتهم على الشعب في المقاومة والثورة والتصدي. وامتداداً لهذه القناعة الراسخة تم الركون إلى الشعب اليمني في مواجهة العدوان والعمل على تحفيز روحه الثورية ونزعته الكفاحية للمواجهة. ووفق هذه القناعة بقدرة الشعب على التغيير آمن الرئيس الصماد بدور الشعب اليمني وقدراته الإبداعية، وعول عليه في مهمة بناء الدولة وانتشال اليمن واليمنيين من واقع التأخر والتبعية. ومن هنا جاءت بساطة الرئيس الشهيد صالح الصماد من اختلاطه التام بالشعب الكادح.
ولا شك في أن ما يحدد الشعب في فكر الرئيس الصماد هو قدراتهم الفاعلة في التغيير ضمن حركة وجودهم الاجتماعي، أي جهد عملهم، لا هوياتهم الثقافية وانتماءاتهم السياسية، حيث إن مفهوم الشعب يتجاوز هذه التقسيمات والتنظيمات، ويتجاوز الحزب والطائفة. والتمسك بالحديث عن الشعب والحاجة الماسة إليه إلى كل اليمنيين بتنوعهم في مواجهة العدوان، هذه الحاجة الموضوعية التي يستشعرها أنصار الله -كقوة طليعية تقود المعركة الوطنية ضد العدوان- وتجسدها في ممارستها، وفي ذلك إثبات صدق وطنية وشعبية خطاب أنصار الله والرئيس الشهيد صالح الصماد، وترفعها عن العصبية للمنطقة والمذهب والعرق والطائفة. 
ويتميز طرح الصماد حول دور الشعب عن بقية القوى السياسية اليمنية، التي تأخذ في فكرها وممارستها الطابع المثالي في فهم التاريخ، حيث إن معظم القوى السياسية اليمنية، ونخبها القيادية، ترى أن النشاط الذي يحدد حركه المجتمع ومستقبل الديمقراطية والانتقال السياسي في البلاد والتغيير الاجتماعي، لا يقوم إلا في ميدان السياسية العليا وبإرادات دولية وإقليمية كبرى يصعب تجاوزها إذا ما تصادمت مع مصالح الشعب. ولهذا يتخذون قرارات سياسية غير واقعية. ومن هنا يُمكن القول بأن هذا المنطق الفلسفي المثالي أحد الجوانب التي دفعت بالقوى السياسية لتأييد العدوان والتعويل على السعودية والإمارات لتثبيت مصالحها في الداخل اليمني، وتوهمهم بحتمية انتصار السعودية والإمارات ومن خلفهم الإرادة الأمريكية، وعجز الشعب اليمني الكادح وأنصار الله عن مقاومة الغزو الخارجي والقوى الدولية العظمى كالولايات المتحدة الأمريكية.

أترك تعليقاً

التعليقات