أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
يكتسب البحر الأحمر، ومنفذه الجنوبي باب المندب، أهمية خاصة فيما تسمى «استراتيجية الأمن القومي الصهيوني». هذه الأهمية جسدتها التحركات الصهيونية في الواقع التاريخي الملموس، منذ احتلالها لمنطقة «أم الرشراش» على البحر الأحمر في عام 1948، وتعززت عسكرياً عقب حرب 73. وقد كان إعادة فتح باب المندب أمام الحركة الصهيونية أحد شروطها في صفقة «كامب ديفيد» مع العميل السادات. وتواصلت التحركات العدوانية الصهيونية في البحر الأحمر مؤكدة هذه الأهمية وصولاً إلى العدوان على اليمن في أذار/ مارس 2015.
يرد في «استراتيجية الجيش الإسرائيلي من منظور الأمن القومي» ما سموه «البعد البحري في الدفاع»، والذي بناء عليه يرسم الصهاينة سياستهم العدوانية ويعطون لأنفسهم حق التواجد العسكري والقيام بالعمليات العسكرية في كل منطقة تمر فيها بضائعهم، بما فيها البحر الأحمر ومضيق باب المندب اليمني.
طوال الفترة الماضية من عهد الوصاية كان للصهاينة تواجد في الجزر اليمنية، وخاصة جزيرتي زقر وميون (بريم). لهذا صرح المجرم نتنياهو عقب انتصار ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014، أن باب المندب وقع في أيدٍ غير صديقة، مشيرا بطريقة غير مباشرةً إلى صداقته مع النظام السابق. وللكيان الصهيوني حالياً تواجد في جزيرتي ميون وسقطرى تحت غطاء إماراتي، وتواجد في إريتريا وجيبوتي، ينصب فيها مراكز استخباراتية تغطي المنطقة.
يشهد البحر الأحمر تحركات عسكرية خطيرة في هذه الفترة، منها المناورة الصهيونية الأمريكية الإماراتية البحرينية، وكذلك انتشار قوات المرتزقة التي يقودها العميل طارق عفاش في سواحل تعز في مديرية المخا ومديرية ذو باب، حيث باب المندب، وكذلك انسحاب قوات طارق عفاش من ساحل الحديدة و»إعادة تموضع» جزء منها في سواحل تعز حيث المصالح الاستراتيجية لقوى العدوان، بالإضافة إلى مماطلة قوى العدوان فيما يخص سفينة صافر بما يجعلها قنبلة موقوتة، كل هذه التحركات والمؤشرات تشير إلى احتمالية قرب المعركة الاستراتيجية المؤجلة حول باب المندب وميناء المخا.

أهمية البحر الأحمر بالنسبة للكيان الصهيوني
الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر ونافذته الجنوبية (باب المندب) جعلت منه محط الأنظار الصهيونية من وقت مبكر. بدأ الصراع الاستراتيجي بين العرب والكيان الصهيوني في البحر الأحمر بعد إعلان قيام «دولة» الاحتلال «الإسرائيلي» بأشهر قليلة (10 مارس/ أذار 1949) عندما قامت القوات «الإسرائيلية» بخرق اتفاقية الهدنة التي فرضها مجلس الأمن الدولي، واحتلت مدينة «أم الرشراش» العربية التي أطلق عليها فيما بعد اسم «ميناء إيلات» الذي تم افتتاحه رسمياً في الربع الأخير من عام 1965، وبذلك أسس الكيان الصهيوني لنفسه وجوداً في البحر الأحمر.
لم يكن للموقع «الإسرائيلي» في خليج العقبة على البحر الأحمر الفاعلية المرجوة، فعندما قامت ثورة 1952 عززت مصر قوتها المسلحة في جزيرتي تيران وصنافير في مدخل خليج العقبة، وبذلك أخضعت الملاحة في الخليج لسيطرتها. انتابت المخاوف قادة «إسرائيل» من تحكم مصر في الملاحة البحرية من وإلى «إسرائيل» في البحر الأحمر من خلال سيطرتها على خليج العقبة. وقد عبر موشيه ديان، رئيس أركان الجيش «الإسرائيلي» (1953 ـ 1958)، عن ذلك في الاحتفال بالذكرى السنوية لاحتلال مثلث (عسقلان ـ بئر السبع ـ «إيلات»)، بقوله: «إن إيلات بوابة إسرائيل إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي، وإننا نتطلع نحو الجنوب (أي باب المندب) ولن تمنعنا المدافع المصرية في مدخل الخليج (أي خليج العقبة) من النفاذ إلى الحبشة وأفريقيا وإلى الهند والصين. إن راية إيلات يسندها الجيش اليهودي» (1).
نظرية «الأمن القومي الإسرائيلي» واسعة ولها أبعاد ثقافية تاريخية، وما يُهمنا في اليمن هو معرفة المحور البحري في «استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي»، التي لها علاقة بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب، أي لها علاقة بالرغبة «الإسرائيلية» في كيف يجب أن يكون النظام الحاكم في اليمن، وبطموحاتها وأطماعها في سواحل اليمن وجزره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من أجل اكتمال دائرة «الأمن القومي الإسرائيلي».
تعتبر السيطرة على البحر الأحمر من أهم الاستراتيجيات «الإسرائيلية» التي بدأت بعد عام 1949 بعد تأسيس الوجود «الإسرائيلي». وتعاظمت هذه الأهمية والرغبة الصهيونية في السيطرة على البحر الأحمر والمخاوف من بعد حرب 1973، حين أغلق البحر الأحمر في وجه «إسرائيل» من باب المندب وخليج العقبة.
وقد عبر ديفيد بن جوريون، أول رئيس وزراء لـ»إسرائيل»، بقوله: «لو تمكنا من السيطرة على مواقع حيوية في البحر الأحمر فإننا سنتمكن من اختراق سور الحصار العربي، بل والانقضاض عليه وهدمه من الخلف». وأكد أيضاً: «إن سيطرة إسرائيل على نقاط في البحر الأحمر ستكون ذات أهمية قصوى، لأن هذه النقاط ستساعد إسرائيل في التخلص من أي محاولات لحصارها، كما ستشكل في الوقت ذاته قاعدة لمهاجمة أعدائها في عقر دارهم قبل أن يبادروا إلى مهاجمتنا» (2).
أهمية البحر الأحمر في منظومة الأمن الصهيونية تكمن في أن واحدة من الخطوات الأولى التي اتخذها كيان الاحتلال بعد إعلان قيام «دولته» عام 1948 كانت احتلال قرية أم الرشراش الأردنية عام 1949، وأنشأ على أنقاضها ميناء «إيلات» المجاور لميناء العقبة الأردني.
كما أن الحرب الأولى التي خاضها بعد حرب احتلاله فلسطين، كانت الحرب مع مصر عام 1956، التي انتهت باتفاق على ضمان حرية الملاحة له في مضايق تيران على مدخل خليج العقبة.
والنظرة الاستراتيجية «الإسرائيلية» للبحر الأحمر تنطلق من كونه يضعه كيان الاحتلال على خريطة الحدود مع مصر والأردن والسعودية، ويضمن له شريان تجارته وحركة سفنه مع شرق آسيا ودول أفريقيا التي عزز علاقاته معها في العقدين الأخيرين بشكل واضح. لكن كلمة السر «الإسرائيلية» في البحر الأحمر كانت واضحة في السنوات الأخيرة عبر الوجود المباشر في جنوبه بالقرب من مضيق باب المندب، تماما كما توجد «إسرائيل» في شماله (3).
الخصائص الجغرافية لكيان الاحتلال تفرض عليه أن تكون حركة البضائع منه وإليه جارية في معظمها عبر البحر، فالمحافظة على استمرارية المِلاحة إلى «إسرائيل» ومنها، حيوية لاستمرار الوجود الوظيفي للكيان، لذلك من المفترض أن يحدد لسلاح البحرية الصهيوني أن الحفاظ على حرية الملاحة هي مهمته الأساسية. رغم ذلك فهذه ليست مهمته الوحيدة من وجهة نظر «الأمن القومي الصهيوني»؛ إلى جانبها لديه على الأقل مهمتان أخريان مركزيتان، هما: «السماح بالمرافقة البحرية، واستخدام منصة لخلق النيران ضد العدو».
يرد في «استراتيجية الجيش الإسرائيلي من منظور الأمن القومي» ما سموه «البعد البحري في الدفاع»، وهذا البُعد من المنظور «الإسرائيلي» يتجاوز الدفاع عن كيان الاحتلال، ويتيح له الانتشار والتفوق البحري في كل السواحل التي تمر منها بضائعه، باعتبار كل منطقة تمر منها بضائعه مياهاً مملوكة له تنطبق عليها سياسته في الدفاع عن سواحله الأصلية (أي السواحل الفلسطينية المحتلة)، وفي مقدمة هذه الممرات يقع باب المندب وقناة السويس.
«أحد الأهداف التقليدية لسلاح البحرية هو الدفاع عن شواطئ الدولة. في السنوات الأخيرة أضيف لهذا الهدف مهمة أخرى: الدفاع أيضا عن المياه الإسرائيلية الاقتصادية، وعن الممتلكات الاستراتيجية الموجودة فيها. المياه الاقتصادية ليست مياهاً سيادية، والقوانين الدولية التي تسري عليها تختلف عن القوانين الدولية التي تسري على المياه السيادية. إنها حالة استثنائية بالمقارنة مع البقية التي يدافع عنها الجيش الإسرائيلي. لذلك في الفصل المخصص للدفاع من المهم الاشارة إلى الدفاع عن المياه الاقتصادية الإسرائيلية وعن الممتلكات الاستراتيجية الموجودة في هذه المياه» (4).
جاء في الاستراتيجية أيضاً أن «مواجهة عدو شبه رسمي في عدد من دوائر الحرب يستلزم دراسة أخرى لبناء القوات الخاصة في الجيش الإسرائيلي». وجدير بالذكر أن الكيان الصهيوني عمم على سفنه الاقتصادية «التعامل مع سواحل اليمن كسواحل معادية». تضيف الاستراتيجية الصهيونية: «ويبدو أنه في الواقع الراهن سيطلب إلى الجيش الإسرائيلي أكثر مما كان يطلب إليه في الماضي: العمل في عمق العدو في معركة سرية».

من أجل القيام بالحرب السرية في عمق العدو، تضع الاستراتيجية الصهيونية عدداً من المهام العدوانية للجيش «الإسرائيلي» التي تقتضي منه تنفيذ تدخلات عدوانية في سواحل البحر الأحمر والأطلسي، من بينها إقامة قواعد عسكرية في سواحل وجزر دول أخرى، واليمن الذي يشرف على باب المندب وتعتبر سواحله معادية منطقياً، وفق الاستراتيجية الصهيونية أحد ميادين تنفيذ مهام جيش الحرب الصهيوني، واستراتيجية هذا الجيش تحدد المهام كالتالي:
ـ القدرة على الوصول سراً عبر البحر إلى غالبية ساحات القتال.
ـ قدرته على العمل في الساحات البعيدة في دول الدائرة الثانية والثالثة.
ـ قدرته على الإقامة في البحر لفترات زمنية طويلة؛ الأمر الذي يمكنه في الواقع من إنشاء قواعد بحرية في الساحات البعيدة، يمكن من خلالها تنفيذ عمليات باستمرار وطوال الوقت.
ـ قدرته على إطلاق نيران دقيقة وبعيدة المدى من البحر(5).

المجال الحيوي لـ»إسرائيل»
في عام 1982 حدد شارون عندما كان وزيراً للدفاع دائرة المجال الحيوي لـ»إسرائيل»، وذلك أمام لجنة الدفاع والخارجية للكنيست في جلستها في 12/12/1982 على النحو التالي: «هي المنطقة التي تضم مصالح إسرائيل الاستراتيجية، وتشمل جميع مناطق العالم العربي المتاخمة، علاوة على إيران وتركيا وباكستان وشمال أفريقيا وحتى زيمبابوي وجنوب أفريقيا جنوبا». وقد توسعت هذه الدائرة في التسعينيات لتمتد من الساحل الشرقي للأطلسي غرباً، إلى إيران وباكستان شرقاً، ومن دول آسيا الوسطى الإسلامية شمالاً إلى كيب تاون بجنوب أفريقيا جنوبا».
من هنا يمكننا أن نفهم مغزى التعاون الاستراتيجي القائم بين «إسرائيل» وتركيا، وكازاخستان والهند، ووضع مخططات «إسرائيلية» بالتعاون مع الهند وسريلانكا لضرب مجمع «كاهوتا» النووي في باكستان، وتعاون «إسرائيل» مع تركيا لتوجيه ضربات جوية ضد سورية وإيران والعراق، والتجارب النووية «الإسرائيلية» في جنوب أفريقيا إبان فترة الحكم العنصري هناك، والتغلغل السياسي والاقتصادي والعسكري في دول وسط وجنوب أفريقيا، وتعاون «إسرائيل» مع كل من إثيوبيا وإريتريا لضمان سيطرة «إسرائيل» على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر عند باب المندب، كذلك تعاون «إسرائيل» مع إثيوبيا وزيمبابوي لتهجير باقي يهود الفلاشا(6).

الأخطار اليمنية حسب التقييم «الإسرائيلي»
ظهر رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو في العام 2014 في إحدى جلسات الكونجرس الأمريكي إبان فترة باراك أوباما ينبه أمريكا بأن مضيق باب المندب في اليمن سوف يقع بيد حلفاء إيران في اليمن «الحوثيين». كان هذا التصريح في إطار الضغط «الإسرائيلي» على أوباما لوقف المباحثات النووية مع إيران، وإحساساً بالقلق على المياه الاقتصادية، أكثر من كونه خوفاً «إسرائيلياً» على مستقبل التحولات العامة في اليمن بعد 21 أيلول/ سبتمبر، واعتبار اليمن قد أصبح دولة من محور «المقاومة».
الدراسات «الإسرائيلية» اللاحقة بعد هجوم قوات الجيش واللجان الشعبية على بوارج التحالف في ساحل المخا وباب المندب، تعكس القلق «الإسرائيلي» من الوضع في باب المندب، وكأنها مُصدقة لمخاوف نتنياهو.
تعتقد البحوث «الإسرائيلية» بأن الهجمات «الحوثية» على السفن الأمريكية وسفن التحالف بالصواريخ المضادة للسفن تثير تساؤلات حول سلامة مرور سفن الشحنات العسكرية والمدنية في مضيق باب المندب الاستراتيجي، أحد أكثر الطرق العالمية ازدحاماً.
ومن وجهة النظر هذه فإن التهديد الحالي لحركة المرور البحرية في مضيق باب المندب الاستراتيجي «يتطلب زيادة وجود وإشراك القوات البحرية الأمريكية والغربية الأخرى في المنطقة على نطاق واسع، ليس فقط لحراسة الشحن والممرات، وإنفاذ الحصار البحري، ولكن لتدمير الصواريخ الحربية المضادة للسفن والردع عن إيران، والتدخل المباشر وغير المباشر في اليمن ومنطقة البحر الأحمر»(7).
هذا الاقتراح العدائي يتطابق مع الاقتراح الذي قدمه الباحث والضابط في البحرية الأمريكية إسكندر ميلو وزملاؤه في معهد واشنطن بوست، حين دعا واشنطن «إلى اتخاذ تدابير إضافية للحد تماماً من هذا التهديد»، رغم إرسالها ثلاث سفن حربية إلى المنطقة كما أفاد ميلو، وشدد حينها على واشنطن وشركائها الدوليين «النظر في مساعدة الحكومة اليمنية المدعومة من الأمم المتحدة لفرض سيطرتها التامة على كامل ساحل البلاد على البحر الأحمر».
وهذا المقترح تجدد مؤخراً على لسان الباحث والدبلوماسي الأمريكي ديفيد كوشنير، على وقع العمليات العسكرية الوطنية في مأرب، بقوله إن على الولايات المتحدة الأمريكية «علاوةً على المساعدة الدفاعية الثنائية للسعودية، يجب على إدارة بايدن أن تسارع -بدءاً من الآن، تحسباً لنهاية الحرب- إلى وضع آلية أمنية متعددة الأطراف في البحر الأحمر من أجل اعتراض شحنات الأسلحة غير المشروعة، ووضع حدّ لحركة الاتجار بالبشر وغير ذلك، ومنع مضايقة الشحن، بما في ذلك عن طريق زرع الألغام، عند الطرف الجنوبي من البحر الأحمر. وإذا تم الترويج لهذه المبادرة كمسعى دولي واسع لمجابهة كافة القضايا الأمنية المتعلقة بالشحن العالمي في خليج عدن ومن حوله -بعبارة أخرى: عدم تأطيرها على أنها مهمة خاصة باليمن تستهدف الحوثيين وإيران فقط- فمن الممكن أن تنجح في كسب الدعم. وتحقيقاً لهذه الغاية، يجب على الإدارة الأمريكية أن تبحث في إمكانية توسيع مهام بعثة مكافحة القرصنة الراهنة المعروفة باسم فرقة العمل المشتركة 151»(8).
ويعتقد الباحثون «الإسرائيليون» بأن «المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران» يستخدمون نوعين من الصواريخ: قصير ومتوسط R03;R03;المدى لضرب أهداف في الأراضي السعودية، وصواريخ مضادة للسفن لتهديد حركة الملاحة البحرية في مضيق باب المندب».
ووفقاً لبعض التقارير -التي لم يكشف الباحث عن طبيعتهاـ فإن إيران «قامت بتسليح حلفائها: حزب الله في لبنان، ونظام الأسد في سورية، والآن المتمردين الحوثيين في اليمن بصواريخ زلزال 3».
ويعتقد بأن أنصار الله لديهم صواريخ «سكود» من العصر السوفييتي تم الاستيلاء عليها من المخازن العسكرية للبلاد. ويحاول أنصار الله عن طريق «إطلاق صواريخ سكود وبركان 1 وزلزال 3 ضد أهداف مدنية وعسكرية في قلب المملكة السعودية، تغيير التوازن العسكري للحرب الراهنة في اليمن، وخلق توازن ردع جديد مع التحالف بقيادة السعودية».
يستبعد «الإسرائيليون» أن تكون هذه الصواريخ مصنعة أو مطورة محلياً، كما زعمت التقارير الصحفية، لأن ذلك يتطلب تكنولوجيا متقدمة لا يملكها أنصار الله وحليفهم صالح، ويرجحون أن تكون هذه الصواريخ منتجة محلياً كعملية تركيب من دعم وواردات إيرانية. كما يعتقدون بأنه يتطلب من السعودية وتحالفها استراتيجية جديدة لمواجهة التحدي «الحوثي»، بعد إطلاق ثلاثين صاروخاً ضد أهداف سعودية، وهوَ تصعيد خطير في الحرب من قبل أنصار الله «الحوثيين»(9).
الخطر «الحوثي» على باب المندب، والذي يتجلى بهذا الشكل الدعائي التحريضي على اليمن في الدراسات «الإسرائيلية»، ما هو إلا امتداد لـ»الخطر الإيراني» حسب هذه الرؤية، التي تريد تصوير كل ما تعتبره معادياً جزءاً من «يد إيران الخفية»، بما يربط كل توجه أو تحرك معادٍ لها -سواء أكان موجوداً أم مُتخيلاً- بالنسق الإيراني، لجعله نشاطاً طائفياً خارج المشروعية العربية أو الوطنية الثورية في مناهضة الوجود «الإسرائيلي»، وهذه الأشكال القومية واليسارية قبل ظهور الأشكال الإسلامية كان يراها أنشطة إرهابية.  
يتجلى هذا الربط لدى الباحث في مركز دراسات الأمن القومي «الإسرائيلي» عاموس يدلين في إعلان أمريكا تفعيل عقوبات بحق أعضاء منظمات إيرانية لهم علاقة بالأعمال «الإرهابية» وبرنامج الصواريخ الإيراني، كرد على تجربة الصاروخ الباليستي التي نفذتها إيران، وإرسال مدمرة أمريكية إلى منطقة باب المندب في وقت لاحق «من أجل الدفاع عن ممرات التجارة في مواجهة المتمردين الحوثيين في اليمن»(10) كتحرك أمريكي موحد في مواجهة الخطر الواحد في اليمن وإيران. هذا الرد الأمريكي هو -كما صرح الرئيس ترامب- إبداء عدم استعداده للتغاضي عن السلوك الإيراني الإشكالي، والعمل على ردع النظام الإيراني عن الاستمرار في سياسته الإقليمية «المتسلطة».

هوامش:

(1) صلاح إبراهيم: «البحر الأحمر تاريخ طويل من الصراع»، مجلة «الشاهد»، العدد 128، نيسان/ أبريل 1996 ص 65.
(2) موشى فرجي: «إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان نقطة البداية ومرحلة الانطلاقة»، ترجمة: الدار العربية للدراسات والنشر (تل أبيب، مركز ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا).
(3) محمد النجار: «إسرائيل كلمة سر كبرى في البحر الأحمر»، موقع الجزيرة، 27-12-2017، متوفر على الرابط: https://www.aljazeera.net/news
(4) «استراتيجيات الجيش الإسرائيلي من منظور الأمن القومي- الفصل الثالث: البعد البحري في استراتيجيات الجيش الإسرائيلي»، صادر عن مركز دراسات الأمن القومي، ترجمة: مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية - غزة فلسطين، أكتوبر 2016.
(5) «استراتيجيات الجيش الإسرائيلي من منظور الأمن القومي»، مرجع سابق.
(6) اللواء الركن متقاعد المصري حسام سويلم: «الأهداف القومية الإسرائيلية واستراتيجيات تنفيذها»، موقع «الجزيرة» متوفر على الرابط: https://www.aljazeera.net/ 
(7) شاؤول شاي: «مضيق باب المندب والتهديد الحوثي». معهد هارستيا أكتوبر 2016.
(8) ديفيد شنيكر: «بايدن بحاجة إلى خطة بديلة لليمن إذا انتصر الحوثيون»، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى 4 نوفمبر 2021.
(9) شاؤول شاي: «حرب الصواريخ في شبه الجزيرة العربية»، نوفمبر 2016 معهد هارستيا.
(10) عاموس يدلين وأفنيرغولوب «اختبار نظام ترامب أمام إيران على جبهات ثلاث 16 شباط/ فبراير 2017»، مركز دراسات «الأمن القومي الإسرائيلي»، ترجمة: مركز أطلس للدراسات «الإسرائيلية»، فلسطين غزة.

أترك تعليقاً

التعليقات