أنس القاضي

أنس القاضي / #لا_ميديا - 

يدفع الولايات المتحدة الأميركية جنون اللهث وراء الربح، وشره اليهودي ببريق الذهب وتعالي الأنجلوساكسوني؛ فما يصنع السياسة الأميركية هو مزيج من الأفكار العنصرية الموهومة بالتفوق العرقي وأفكار توراتية صهيونية، تتكامل مع فلسفة ليبرالية متوحشة، تلبي مصالحها الامبريالية. وإذا كان الشر الأميركي قد عمَّ العالم، فإن شعوب ودول أميركا اللاتينية من السكان الأصليين والمعاصرين هم الضحية الأولى النازفة والمسرح الرئيسي لعروضها الدموية، والمتصلبون في مقاومتهم ونزعتهم للحرية. 

الاقتصاد الإمبريالي والمعتقدات الأنجلوساكسونية
العدوانية التي تتعامل بها الولايات المتحدة الأميركية مع دول العالم تعكس تعفن الوضع الداخلي الذي تعيشه. تحاول الولايات المتحدة الأميركية الظهور بصورة جنة الرفاهية البشرية، لكن واقعها الجحيمي لا يُمكن إخفاؤه. أميركا، الدولة المبهرجة بادعاءات الديمقراطية، مجتمعها عنصري من الداخل والفقر يتسكع في أحيائه العشوائية. كما أن هذا البلد المتنطع بالحُرية تحكمه رغبات المجمعات الصناعية العسكرية التي تُسيطر على كل شيء، وأبسط الحقوق الشخصية ينتهكها قانون "مكافحة الإرهاب"، أما المُعارضون للسياسة الأميركية في الداخل كما هو الحال في الخارج فمصيرهم الاغتيال بالرصاص والأمراض الجرثومية.
كتب المفكر الروسي فلادمير لينين عام 1917 في كتابة "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" مبيناً هذه الحقيقة التي يُثبتها الواقع اليوم:
"إن الإمبريالية من الناحية الاقتصادية: الرأسمالية الاحتكارية، ولكي يكون الاحتكار كاملاً، يجب إزالة المنافسين، لا من السوق الداخلية وحسب، بل أيضا من السوق الخارجية، من العالم أجمع. إن الاحتكارات الأميركية هي أسمى تعبير عن اقتصاد الإمبريالية، فلأجل إزاحة المنافس، لا تكتفي بالوسائل الاقتصادية، بل تلجأ على الدوام إلى الوسائل السياسية وحتى الإجرامية".
يضيف لينين: "في السياسة الخارجية وفي السياسة الداخلية على حد سواء، تسعى الإمبريالية إلى انتهاك الديمقراطية، إلى الرجعية، فالديمقراطية تقابل المنافسة الحرة، والرجعية السياسية تقابل الاحتكار. وبهذا المعنى لا جدال في أن الإمبريالية هي إنكار للديمقراطية على العموم، إنكار للديمقراطية بكاملها. وبما أن الإمبريالية هي إنكار للديمقراطية فهي تنكر كذلك الديمقراطية في المسألة القومية، أي حق الأمم في تقرير المصير".
ورغم أن الولايات المتحدة الأميركية تدعي الالتزام بمضامين ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بحق الشعوب في تقرير مصيرها وبالمساواة بين الشعوب، إلا أنها تضرب بهذه المضامين عرض الحائط في ممارستها العدوانية، وتُنكر هذه المضامين في خضم النقاشات الداخلية بين دوائر صنع القرار الأميركي، حين يرسمون مشروعاً للاعتداء على بلدٍ مستقل، أي أن واشنطن تعود إلى الأفكار والمعتقدات الأنجلوساكسونية.
انتقلت الأفكار الأنجلوساكسونية إلى الولايات المتحدة الأميركية مع المهاجرين الإنجليز إلى ما سُميت لاحقاً بالقارة الأميركية، وهذه النظرية تعلي من تفوق العرق الأنجلوساكسوني كعرق مقدس ومُفضل على بقية الشعوب وله الحق في الاغتصاب والاستعمار لأي من البلدان والشعوب، فهو النموذج الأول للصهيونية السياسية في العصر الحديث.
مُنظر السياسة الأميركية، بيفريدج، الذي لمع اسمه نهاية القرن 19 وبداية القرن 20، هو أبرز من وضعوا الأسس العدوانية للسياسة الخارجية الأميركية، وهي السياسات التي مازالت تُطبقها الولايات المتحدة الأميركية حتى اليوم، بل إن هذه السياسات العدوانية لم تكن الولايات المتحدة قادرة على تطبيقها حين وضعت في نهاية القرن التاسع عشر، لكن الأمريكان احتفظوا بها كاستراتيجيات مُستقبلية حتى وصلوا للوضع الذي يُمكنهم من تنفيذها.
العلاقة ما بين الصهيونية والأنجلوساسكيونية عميقة الترابط، بل إن الأفكار التي طبقتها الصهيونية في فلسطين من بعد نكبة عام 1948 وما قبلها، تلك الأفكار كانت قد وُضعت من قبل منظري الأنجلوساكسونية الأميركيين، فالسيناتور ألبرت بيفريدج يرى أن الأمريكان هم "شعب الله المختار"، والسيناتور وليام ألن وايت يرى أن الإبادة أو الإخضاع هي الطرق الناجعة لفرض الأمر الواقع. وهو الأمر الذي نفذته العصابات الصهيونية التي ارتكبت جرائم كفر قاسم ودير ياسين، وغيرها من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني التي أدت إلى تهجيره واحتلال أراضيه.

الانقلاب الأخير في بوليفيا
في العاشر من نوفمبر 2019، دبرت وكالة الاستخبارات الأميركية انقلاباً على الرئيس البوليفي المقاوم إيفو موراليس، حيث أجبر الجيش البوليفي الرئيس إيفو موراليس على تقديم الاستقالة، وهو أحدث انقلاب تموله أميركا على رئيس منتخب ديمقراطياً. ويُعد موراليس أول بوليفي من السكان الأصليين يحكم البلاد، وقد فاز بولاية رئاسية رابعة مؤخرا.
وكان موراليس أحد أبرز قادة نقابة مزارعى نبات "الكوكا" التى تضم مئات آلاف المزارعين، وقد وصل إلى السلطة في بوليفيا عبر الآليات الديمقراطية، ضمن موجة يسارية اجتاحت عددا كبيراً من دول قارة أميركا اللاتينية عملت على الخروج من التبعية الأميركية والانحياز إلى الفقراء والكادحين. وكان موراليس قد قاد أوسع عملية تحرير للسكان الأصليين الذين يعانون التهميش وإنكار الحقوق الأساسية في الصحة والتعليم والثروة والترقى الاجتماعي.
أعاد الانقلاب على موراليس، المناهض للسياسات الخارجية الأميركية، إلى الأذهان تاريخ الولايات المتحدة الحافل بالإطاحة بحكومات منتخبة ديمقراطيا، عبر تدخلها في دول عديدة، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، فمنذ عام 1898 تتدخل واشنطن في شؤون دول أميركا اللاتينية، إذ تعتبرها حديقتها الخلفية.
قبل بوليفيا، دبرت واشنطن ودعمت انقلابات في دول أخرى بقارتي أميركا الجنوبية (اللاتينية) وأميركا الشمالية، منها هندوراس ونيكاراغو؛ لتسهيل عمل شركات الفواكه الأميركية بدول المنطقة، وخاصة هندوراس. وحاولت مؤخراً تدبير انقلاب ضد الرئيس الفنزويلي المقاوم نيوكلاس مادورو، إلا أن الجيش الفنزويلي وقف ضد تلك المحاولة الانقلابية، وسبق للولايات المتحدة الأميركية تدبير عملية انقلاب على الرئيس الفنزويلي الراحل هوجو شافيز أحبطها الشعب.

أميركا اللاتينية: المسرح الرئيسي للحروب العدوانية الأميركية
مثلت أميركا اللاتينية المسرح الرئيسي للحروب العدوانية الأميركية تحت شعار دعم الديمقراطية، فبعد 12 عاما من الانقلاب الدموي الذي نفذته واشنطن في جواتيمالا، هيأت إدارة الرئيس كنيدى في عام 1964 لانقلاب عسكري في البرازيل، أدى هذا الانقلاب لوأد التجربة الديمقراطية البرازيلية وعودة الحكومات الاستبدادية العميلة، وكان السبب الرئيسي في التدخل الأميركي هو تأمين مصالح الشركات الاحتكارية الأميركية المسيطرة على الاقتصاد البرازيلي آنذاك.
قبل الإطاحة بموراليس، دعمت الولايات المتحدة الأميركية القوى المعارضة في فنزويلاً، وأقر مجلس الشيوخ الأميركي موازنة لتغيير الحكم هناك والإطاحة بالرئيس المنتخب نيوكلاس مادورو. كادت الولايات المتحدة تضيف جريمة غزو وعدوان جديدة إلى تاريخها الدموي الأسود، لولا ثبات الموقف الشعبي وموقف الجيش الفنزويلي بجانب قيادته الوطنية المستقلة المنتخبة، ورغم إحباط المؤامرة الأميركية فمازالت النوايا العدوانية لواشنطن تجاه فنزويلا قائمة.

احتلال كوبا أول حرب إمبريالية أميركية 
كانت الولايات المتحدة أول بلد يبدأ حربا إمبريالية لإعادة تقسيم العالم، تنفيذا لعقيدتها العدوانية، وكانت تلك هي الحرب الأميركية على الوجود الاستعماري الإسباني في أميركا اللاتيتية التي شنتها الولايات المتحدة عام 1898م على مستعمرة كوبا، وقد اعتبر لينين هذه الحرب حدا فاصلاً تاريخيا في الانتقال من رأسمالية ما قبل الاحتكار في الولايات المتحدة إلى الرأسمالية الاحتكارية الإمبريالية، وقد لاحظ لينين أن ذلك العصر في أميركا قد رسمت حدوده على نحو قاطع الحرب الإمبريالية الإسبانية الأميركية أي "الحرب بين لصين استعماريين على تقسيم الغنائم"، وقد كانت الحرب الإسبانية الأميركية فاتحة مرحلة جديدة في تفسير المبدأ الاستراتيجي للاحتواء.
في خمسينيات القرن الماضي، اتقدت المشاعر الوطنية الاستقلالية في كوبا فحاول الرئيس الكوبي رامون مارتين أن يهدئ من ثورة الشعب وينزع نحو الاستقلال في الحد من الملكيات الزراعية للأجانب في كوبا، هذا النزوع الاستقلال واجهته الولايات المتحدة الأميركية بقوة؛ ففي 10 مارس 1952 دعمت الولايات المتحدة الجنرال باتيستا للقيام بانقلاب ضد الحكم الجمهوري في كوبا، وبعد استيلائه على السلطة فرض على البلاد حكما دكتاتوريا متخلفا ومرتبطا بالولايات المتحدة. وبعد انتصار الثورة الكوبية بقيادة فيديل كاسترو عام 1959 حاولت الولايات المتحدة بأكثر من طريقة اسقاط النظام الثوري الاشتراكي في كوبا وفشلت، ومن هذه المحاولات؛ في 16 أبريل 1961حاولت الولايات المتحدة غزو كوبا بواسطة بعض المنفيين الكوبيين، بمساندة الطائرات الأميركية وبدعم مباشر، سميت العملية (معركة خليج الخنازير) وقد فشلت فشلا ذريعا. وبعد فشل خطة الثورة المضادة في خليج الخنازير باشرت وكالة المخابرات المركزية الأميركية بتنفيذ خطة "مانغوست" الخاصة بتغيير السلطة في كوبا. وتضمن ذلك تدمير محاصيل قصب السكر وتلغيم الموانئ الكوبية الرئيسة واغتيال قائد الثورة. وقد قامت الولايات المتحدة الأميركية بأكثر من 637 محاولة اغتيال لزعيم كوبا فيديل كاسترو من أشدها خطورة وإجرامية وقذارة إلى أكثرها سذاجة وفكاهية! 

أترك تعليقاً

التعليقات