تطورات الأوضاع فـي حضرموت..تقدير موقف
 

أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
تجري في المحافظات المحتلة تطورات متسارعة؛ لكن أخطرها ما يجري شرق البلاد، من تنافس بين السعودية والإمارات، وبين الإخوان و«الانتقالي»، على محافظة حضرموت، لتقديم أنفسهم خدماً للشركات النفطية، والسباق على العمل في شركات الخدمات النفطية التي يملكها الإخوان وأسرة عفاش حالياً ولا يملك «الانتقالي» منها شيئاً، ويدافع الإخوان وأسرة عفاش عن الوحدة من هذا المنطلق، كما يرفض «الانتقالي» الوحدة من هذا المنطلق أيضاً.
تنقسم حضرموت من حيث التضاريس إلى منطقة ساحلية مهمة في موانئها وسواحلها الاستراتيجية تصلح لتكون قواعد عسكرية بحرية، ومناطق أودية وصحراوية تكتنز الثروات النفطية، ولأمريكا مصالح في المنطقتين معاً.
تسيطر السعودية حالياً على وادي حضرموت داعمة للإخوان، فيما تسيطر الإمارات على ساحل حضرموت داعمة لـ«الانتقالي». والدولتان مستعدتان للتقاسم، وليستا في حالة صراع حقيقي في المحافظة.
طوال الفترة الماضية هناك تحركات إماراتية للسيطرة على الوادي والصحراء. ويفترض «الانتقالي» أن له حق طرد قوات المنطقة العسكرية الأولى (جنودها «شماليون») بموجب «اتفاق الرياض».
يسعى «الانتقالي» للسيطرة على كامل حضرموت ضمن مشروع «دولة جنوبية فيدرالية» تستوعب الأطماع الخارجية وعودة السلاطين، فيما يدافع الإخوان عن الوحدة اليمنية، ويرفعون في الوقت ذاته مشروع فصل حضرموت عن اليمن في حال سقط خيار الوحدة، وهو مشروع بريطاني أمريكي قديم.
الملاحظ في التطورات الراهنة في حضرموت الساعية لفصلها أنها جاءت بعد عدة زيارات أمريكية لحضرموت الساحل والوادي والصحراء. وأقام دعاة فصل حضرموت، الثلاثاء الماضي، فعالية «اليوم الوطني الحضرمي» في ذكرى «الهبة الحضرمية» التي انطلقت في العشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2013، بسبب مقتل الشيخ سعد بن حبريش العليي برصاص قوات أمنية، وتجاوزت الهبة الحضرمية دعوة الثأر والإنصاف، وتحولت إلى مشروع سياسي «حضرموت للحضرميين»، على غرار مشروع «عدن للعدنيين» في أربعينيات القرن الماضي الذي رعاه الاستعمار البريطاني.

اشتداد التصعيد
منذ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر السابق، بدأ «المجلس الانتقالي الجنوبي» برنامجاً تصعيدياً في حضرموت، في سبيل إخراج المنطقة العسكرية الأولى (غالبية جنودها من الشمال وهي محسوبة على الإخوان).
على غرار الخلافات التي فجرت الوضع في شبوة سابقاً، اندلع منتصف هذا الشهر (كانون الأول/ ديسمبر) صراع حول منصب مدير كلية الشرطة بمحافظة حضرموت، واندلع الخلاف بين وزير الداخلية (الإخواني) وبين فرج البحسني عضو مجلس الخيانة. وقضت توجيهات وزير الداخلية في حكومة المرتزقة بإيقاف سالم عبدالله الخنبشي عن العمل وإحالته للتحقيق، بسبب مخالفات ارتكبها. وفي سياق الصراع بين المرتزقة في حضرموت، أصيب رئيس «المجلس الانتقالي» بحضرموت، سعيد المحمدي، بعيار ناري إثر محاولة اغتيال.
توالت الأيام فخرجت في الأسبوع قبل الماضي تظاهرة حاشدة للموالين لـ»المجلس الانتقالي الجنوبي» في مدينة تريم مطالبة برحيل قوات المنطقة العسكرية الأولى الموالية للإخوان من المحافظة.

اليوم الحضرمي!
يوم الاثنين 25 جمادى الأولى 19 كانون الأول/ ديسمبر، قال القيادي في حزب الإصلاح بحضرموت صلاح باتيس إن هذا اليوم 20 كانون الأول/ ديسمبر سيكون يوماً مختلفاً وسيعبر فيه «الحضارم» وأبناء المحافظات الشرقية عن استحقاقاتهم بطريقة سلمية راقية، حد قوله.
وفي السياق ذاته زعم مصدر إعلامي تابع لـ«الانتقالي» أن الإخوان نفذوا حملة لإزالة أعلام «اليمن الديمقراطية سابقا» من شوارع مدينة سيئون في وادي حضرموت، واستبدلوا بها علم ما يسمى «دولة حضرموت».
يبدو من التطورات أن الإخوان يضغطون بمسألة دولة حضرموت للإبقاء على المنطقة العسكرية الأولى. وفيما يدافع «الانتقالي» عن الانفصال والعودة إلى ما قبل الوحدة، فالإخوان يخططون أبعد من ذلك نحو اقتطاع حضرموت، وهو مشروع ينسجم مع المصالح السعودية.
وعلق وزير النقل العميل السابق، صالح الجبواني، على الاحتفال بما يسمى «اليوم الوطني لحضرموت» بأن هذا حدث مهم ويؤكد حق حضرموت في تقرير مصيرها كإقليم في الدولة الاتحادية اليمنية أو كدولة مستقلة.
وكانت قبائل الكثيري، التي كانت تؤلف سابقاً سلطنة الكثيري في حضرموت، قد دعت إلى استقلال حضرموت. وفي مطلع العام 2015 وقعت عريضة تدعو إلى ضم حضرموت إلى المملكة العربية السعودية.
وفي السياق ذاته أعلن حلف قبائل حضرموت برنامجا لإشهار مشروع «حضرموت دولة».

التحركات الأمريكية في حضرموت
سبقت التحركات الانفصالية الجديدة في حضرموت زيارات لسفراء ودبلوماسيين أمريكيين وغربيين، منها زيارة السفير الأمريكي لدى اليمن المعين مؤخراً ستيفن فاجن، الذي دشن عمله في اليمن بزيارة حضرموت أواخر حزيران/ يونيو الماضي.
تمثل حضرموت أهمية خاصة للولايات المتحدة، باعتبار موقعها الجغرافي في بحر العرب المفتوح على المحيط الهندي، ولما تختزنه من النفط. وعملياً تملك الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة عسكرية استعمارية في مطار الريان بمحافظة حضرموت، إلى جانب قوات غازية أخرى بريطانية وإماراتية وربما صهيونية أيضاً، وكذلك قاعدة عسكرية مشتركة للغزاة في مطار الغيضة في محافظة حضرموت.
تجول الأمريكيين بمعداتهم وأسلحتهم في حضرموت ليس للمرة الأولى، ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2021 انتشرت قوات الغزو الأمريكية المتواجدة في مطار الريان في مدينة الغيضة بمدرّعات وكلاب بوليسية وسيارات لوجستية. وبخصوص هذه الجولة الجديدة فمن المحتمل أن الأمريكيين يدرسون إمكانية بناء قاعدة عسكرية استعمارية في سواحل «بروم ميفع» لتعزيز وجودهم الاستعماري في البحر العربي.

مؤامرات بريطانية قديمة
التحركات الأمريكية السعودية الراهنة تأتي امتدادا لنشاط استعماري قديم كانت تتزعمه بريطانيا سابقاً، ففي العام 1967 صرح المندوب السامي البريطاني في أحد ردوده على البعثة الدولية بأن بلاده لا تملك سلطة إرغام الولايات الشرقية (القعيطي والكثيري والمهرة) على الانضمام إلى الجنوب العربي، لكونها لم تدخل في إطار «حكومة اتحاد الجنوب العربي». كان التوجه البريطاني أن يعطي الخيار للإمارات الشرقية (حضرموت والمهرة) للانضمام إلى المملكة السعودية أو الدول الخليجية الأخرى.
وقبل ذلك، في خمسينيات القرن الماضي، أوعزت بريطانيا إلى السلطان القعيطي في حضرموت، الذي تنازل عن إقليم «شرورة» لصالح السعودية، بعد اكتشاف الولايات المتحدة تواجد النفط فيه، في صفقة جرت بين بريطانيا وأمريكيا.
جدير بالذكر أن السعودية توسعت بشكل كبير خلال سنوات العدوان في منطقة الخراخير، التي يُفترض أن يمد منها أنبوب النفط إلى البحر العربي مروراً بالمهرة.

أترك تعليقاً

التعليقات