من 2019 حتى «صفقة القرن» مسار التطبيع
 

أنس القاضي

أنس القاضي / #لا_ميديا -

خُطط للعام 2019 أن يكون العام الممهد لـ»صفقة القرن» بإعلانها فيه، وإقرارها رسميا في العام التالي، وقد شهد العام 2019 نشاطا محموما للتطبيع، في مسار تصاعدي جرت فيه خطوات توازي النشاط الذي جرى خلال عقود، ففي ذلك العام تم قطف ثمار عملية التطبيع التراكمية البطيئة منذ اتفاقية «كامب ديفيد» مع مصر (17 سبتمبر 1978).
تميز العام 2019 في نشاط التطبيع بالتركيز على تطبيع المجتمع بترتيب لقاءات ممنهجة بين أفراد وشخصيات ووفود من المجتمع العربي والمجتمع الصهيوني، وجعله أمراً طبيعياً وخبراً اعتيادياً، وكأن هناك اندماجاً بين المجتمعين على مختلف المستويات الدينية والثقافية والرياضية والفنية والسياحة والدبلوماسية، وكل ذلك تمهيداً لـ»صفقة القرن» وإشهار التطبيع الرسمي.
بالتوازي مع التطبيع الاقتصادي والاجتماعي والعسكري، جرى تطبيع سياسي بشكل سريع كخطوات ممهدة لـ»صفقة القرن». ونجد أن تسريبات وسائل الإعلام «الإسرائيلية» والمسؤولين «الإسرائيليين» هم أصحاب المبادرة في إعلان أخبار التطبيع وإبعاد الحرج عن الحكومات الخليجية. وتلعب دويلة البحرين دور فأر التجارب الخليجية في إعلان التطبيع الرسمي، فيما ما تزال لدى السعودية والإمارات بعض التحفظات على إشهار التطبيع، وهذه التحفظات من المحتمل أن تنتهي مع الإقرار الأخير لـ«صفقة القرن» رسميا، وتحميل الفلسطينيين مسؤولية رفض «السلام» مع «إسرائيل».
استيراد كُل من الأردن ومصر للغاز «الإسرائيلي» أبرز مواضيع التطبيع الاقتصادية في العام 2019 ومطلع هذا العام 2020، وإلى جانب صفقة الغاز الخطيرة في بعدها الاجتماعي، بحيث تصبح «إسرائيل» جزءاً من حياتنا اليومية، يدخل الكيان الصهيوني مع الدول العربية في شراكات اقتصادية متبادلة، وتتجه هذه العلاقة إلى مزيد من التعمق من خلال مشروع إقامة خط سكة حديدية من «إسرائيل» حتى أبوظبي تمر بالسعودية. وفي «صفقة القرن» دفع إلى مزيد من الترابط الاقتصادي بين دولة الكيان الصهيوني والدول العربية من أجل دمجه في المنطقة، مع بقائه مهيمناً.
شهد العام 2019 تصاعداً لعملية التطبيع العسكري مع الكيان الصهيوني، ومثل مفهوم «العدو الإيراني المشترك» مدخلاً لتعميق وإشهار التطبيع العسكري الاستخباراتي. ويمثل مشروع «كيان الدول المشاطئة للبحر الأحمر» تجسيداً لهذه التوجهات العدوانية. وتعد القاعدة العسكرية المصرية في البحر الأحمر أولى الخطوات التي ظهرت على الواقع.
بالمقارنة مع مساعي التطبيع الرسمية ومع الميول الاجتماعية الشاذة من الشرائح الشابة الليبرالية التي تميل إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني وتباهي بالنموذج «الإسرائيلي» في التطور، فإن الأصوات المناهضة لعلمية التطبيع مع الكيان الصهيوني في المجتمعات العربية هي الأكبر، فنشاط التطبيع والعدوان يولد ردات فعل معادية للاستعمار والصهيونية في دول محور المقاومة وفي دول أخرى وفي مقدمتها تونس والجزائر والمغرب والأردن ومصر بشكل أقل.
أقرت «صفقة القرن» 2020 بما هي تعبير مكثف عن التطبيع واكتمال له، فهذه الصفقة آلية للسيطرة الاستعمارية الإمبريالية الصهيونية وتعبر عن فلسفة العولمة، التي ترى في الكيان الصهيوني «الكيان الطبيعي الوحيد في المنطقة»، وأن الوجود العربي ليس وجودا قائما في ذاته، إنما يصبح وجوداً مشروعا مادام مرتبطاً بالكيان الصهيوني عبر علاقات سياسية واقتصادية وثقافية وعلمية وأمنية... فـ»صفقة القرن» وفق هذه الفلسفة تعد محواً للوجود الإنساني والحضاري العربي الإسلامي، وتنازلاً عن حقوقه التاريخية، وكبحاً لتطوره وتقدمه المستقلين. واعترافاً «بحق» الكيان الصهيوني في بناء المستوطنات وتهجير الفلسطينيين... وغيرها من الجرائم والانتهاكات الاستعمارية.
ومما يبدو في إخراج «صفقة القرن» بعد التراجع عن إشهارها لعدة مرات خلال العام 2019 أن المحور الأمريكي «الإسرائيلي» يسابق الزمن في إقرار الصفقة، مع استشعاره انحسار قوته لصالح تفوق محور المقاومة في المنطقة. وعدم حضور ممثلين عن الدول الأوروبية وعن السلطة الفلسطينية يعكس الضعف الأمريكي والعجز عن فرض مثل هذه الحلول على العرب والمجتمع الدولي في آن.

آليات التطبيع الاجتماعية
تميز العام 2019 في مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني بالتركيز على التطبيع مع المجتمع بترتيب لقاءات ممنهجة بين المجتمع العربي والمجتمع الصهيوني وجعله أمراً طبيعياً وكأن هناك اندماجاً بين المجتمعين، على مختلف المستويات الدينية والثقافية والرياضية والفنية والسياحة والدبلوماسية عبر تبادل الزيارات والوفود وتأييد دولة الاحتلال وتوجهاتها السياسية العدوانية والسعي لاكتساب جنسيتها، في الوقت الذي يتم فيه التضييق على الفلسطينيين وعلى من يؤيد القضية الفلسطينية في هذه الدول المطبعة. ومن أبرز الأخبار والأحداث التي جرت فيه:
ـ كتابات صحفية وأكاديمية سعودية داعمة لـ«إسرائيل» والتطبيع معها.
ـ مشاركات رياضية عربية «إسرائيلية» وزيارات متبادلة.
ـ فتاوى وتصريحات فقهاء وشيوخ، وزيارات متبادلة بين رجال دين يهود ومسلمين.
ـ زيارات مدونين عرب إلى «إسرائيل».
ـ السياحة «الإسرائيلية» في تونس والمغرب.
ـ تصريحات دبلوماسية عن انتهاء زمن الحرب مع «إسرائيل» وعن ضرورة التطبيع معها.
ـ تطبيع المرتزقة: «المعارضة السورية» تزور «إسرائيل»، و»حفتر» يرحب بالتطبيع، واليماني بجانب نتنياهو.
ـ «السلام عليكم» باللغة العبرية في مكة، و»إسرائيلي» يرفع العلم السعودي في القدس، وإنشاد السلام الملكي السعودي على لسان يهود ومسلمين.
ـ استقطاب «إسرائيل» لأولاد قيادات حماس (2 حتى الآن).
ـ أفلام داعمة لـ»إسرائيل» في الأردن ومصر، وتعزية «إسرائيل» بوفاة ممثل مصري، والتمثيل مع ممثلين «إسرائيليين»، وعرض أفلام عربية في «إسرائيل»، وتهنئة «إسرائيلية» للاعب مصري.
ـ مساعٍ فردية من مواطنين عرب للحصول على الجنسية «الإسرائيلية».
ـ السعودية تمنع الفلسطينيين من الحج، وتحتجز فلسطينيين، وتعتقل أحد كوادر حماس.
ـ تبادل التحايا والتهاني بالأعياد الدينية والوطنية والتعازي بين «إسرائيل»، البحرين، الإمارات.
ـ تصريحات عدوانية ضد الفلسطينيين من مشاهير عرب.
ـ تصريحات معادية لمحور المقاومة وعملياته الجهادية.
ـ تحريض «إسرائيل» على العدوان على محور المقاومة والدعوة لها بالنصر.
ـ «إسرائيل» تضع صور الملوك العرب على عملاتها المعدنية (ملوك الأردن والمغرب).
ـ وضع مجسم نجمة داود في بيروت، واعتناق إماراتي لليهودية عند برج الكويت.
ـ فتح سفارة «إسرائيل» في الخليج، كسفارة افتراضية في وسائل التواصل الاجتماعية.
ـ المغرب تحيي الهيئات الممثلة لليهود في بلادها.
ـ تأسيس شركة طعام وفق الشريعة اليهودية في الإمارات.

آليات التطبيع الاقتصادي
استيراد كُلّ من الأردن ومصر للغاز «الإسرائيلي» أبرز مواضيع التطبيع الاقتصادي، وهي عملية اقتصادية من طرف واحد، فالعربي فيها هو المستورد. ولمسألة التطبيع في هذا المجال خطورة من حيث تطبيع المجتمع على أن يستخدم الغاز الـ»إسرائيلي» يومياً ويحتاج إليه كمادة أساسية لتستقيم حياته اليومية، فهذا الجانب هو الأخطر في مسألة استيراد الغاز، إلا أن التطبيع الاقتصادي أوسع من ذلك، حيث يدخل الكيان الصهيوني مع الدول العربية في شراكات اقتصادية متبادلة، وتتجه هذه العلاقة إلى مزيد من التعمق من خلال مشروع إقامة خط سكة حديدية من «إسرائيل» حتى أبوظبي تمر بالسعودية. وفي «صفقة القرن» دفع إلى مزيد من الترابط الاقتصادي بين دولة الكيان الصهيوني والدول العربية من أجل دمجه في المنطقة. وعلاقة التطبيع هذه هي ترجمة لمشروع بناء الكيان الصهيوني كمركز رأسمالي احتكاري إمبريالي في المنطقة العربية وأفريقيا، فمختلف مشاريع التطبيع الاقتصادي تخدم الكيان الصهيوني من حيث كونه القوة الاقتصادية والمالية والتقنية الأبرز في هذه العلاقة المختلة. ومن أبرز الأخبار والأحداث التي جرت فيه:
ـ السعودية مستعدة لتمويل «صفقة القرن».
ـ إغراء مصر بالحصول على أموال كثيرة لتوسطها في «صفقة القرن».
ـ البحرين استضافت ورشة عمل اقتصادية على خطى «صفقة القرن».
ـ 48 مليار دولار حصة الأردن في مؤتمر البحرين التطبيعي.
ـ تحويل غزة إلى مدينة أحلام ضمن «صفقة القرن».
ـ مبادرة «إسرائيلية» بشأن مد سكة حديدية من حيفا إلى السعودية حتى أبوظبي.
ـ أقارب أردوغان يجنون أرباحاً كبيرة من «إسرائيل» في صفقات مالية وتجارية.
ـ السعودية تدرس شراء الغاز من «إسرائيل» ونقله عبر إيلات.
ـ المحكمة الدستورية الأردنية تجيز صفقة الغاز مع «إسرائيل».
ـ أكثر من 1000 شركة مصرية ستشارك في اتفاقية المناطق الصناعية مع «إسرائيل».
ـ 40 مليون دولار حجم التبادل التجاري بين «إسرائيل» والمغرب عام 2019.
ـ «إسرائيل» ستشارك في معرض إكسبو 2020 الاقتصادي الدولي في الإمارات.
ـ «إسرائيليون» يشاركون في تخطيط وتشييد مدينة نيوم في السعودية.
ـ الأردن يستورد الغاز «الإسرائيلي».

أترك تعليقاً

التعليقات