ظلمات الظلم
 

شرف حجر

شرف حجر / لا ميديا -
كم ورد في القرآن الكريم من نهي وتحذير ووعيد وتنبيه من جريمة الظلم، ورد في حديث قدسي قول الله سبحانه وتعالى فيما معناه: «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته عليكم محرماً فلا تظالموا». وعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله قوله: «أيها الناس، اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة».
الظلم سلوك قد لا يدركه الكثيرون، والبعض قد يُبرر لنفسه الانزلاق في هذا التصرف، وآخر لا يبالي، وثالث قد تُظلم روحه ويصبح الظلم سلوكاً طبيعياً في حياته، ورابع قد ينجر لظلم بسبب موقع مسؤولية وسلطة وغرور وسكرة الجاه وبخترة النفوذ، والبعض نتيجة حاشية سوء تلتف حوله، والبعض جفاف الطيبة في نفسه، والبعض نتيجة عجز نفسي يسعى للتغطية عليه بجلافة الطباع، والبعض يرتكب الأفعال التي تجعل منه جبيراً متكبراً ظالماً مكابراً، ولأنه في موقع ما فمن ذا الذي يتجرأ على مراجعته؟!
وهناك من يتحول نتيجة التغافل والغفلة إلى أن يتطور السقوط ليكون انهياراً في روحيته حتى يتحول إلى نمرود، وفي ما معناه إذا قلت له اتق الله أخذته العزة بالإثم.
* لا تُنزع الرحمة إلا من شقي. معظمـُنا، ولا أزكي نفسي، لا نراجع تصرفاتنا وردودنا وكلماتنا تجاه الآخرين، ونقسو ونتخاطب بجفاء ونتكلم دون مراعاة شعور الآخرين، ولا نتوقف في يومنا الذي يمر لنستذكر ربما الرد لفلان أو كلمة قيلت بلا مبالاة جرحت صديقاً وأسرها في نفسه وصمت، وأحياناً يكون التلفظ يوجع الآخرين ولا نحاسب أنفسنا، غير مستوعبين أننا سنُحاسب على كل شيء وكل كلمة وكل تصرف، في عمل ما كضابط أو قاضٍ أو صاحب منصب تجاه العاملين، مسؤول ذائع الصيت في موقع يحبس ويفصل ويخصم مستحقات يستجر من لا يقيم سلوكه وتصرفاته مع الغير، هذا التطبع والبعض هو طبع لا الكل، يتلافى شره وسطوته، وهنا يتغول الغافل ليصبح وحشاً كاسراً دون أن يُدرك، حتى مع أهل بيته (زوجته، أخاه، أخته، ابنه، ابنته)، أو جاره، يصبح التوحش داء يتحول معه الذي لا يتداوى بمحاسبة النفس إلى سَبع ضار يخافه الناس ويتقون شره.
* نتناسى أننا بضاعة موت كما يُقال، إذ يقول الإمام علي (عليه السلام): «عجباً لابن آدم، تُنتنهُ العرقة وتقتلهُ الشرغة وتقلقهُ البقة».
* ثقافة تذكر الموت الذي لا يطرق الباب عند قدومه، يتهذب النفس وتزكيها، ومراجعة النفس من العقل.
* في محاضرة للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين (رضوان الله عليه) قال إن الإنسان عندما يراجع تصرفاته اليومية ويستعرضها مع الأخلاق والسلوك القرآني هنا يتمكن الإنسان من مراجعة نفسه ومحاسبتها عندما يكون التحرك والتصرف لله للنجاة من العقوبة، مسؤول لا تتصنع التواضع ولا تدعي الطيبة في مواقف معينة تطبطب على ضعيف لا التقاط صورة وأنت تتأفف وتتأذى من ثيابه الرثة أو لأنه لا ينعم بأخذ دش صباحي كل يوم!
* البعض عانى في سابق عهده وجاع وخاف الظلم واختبر سطوة التكبر، وعندما تمكن جار واستبسط الطبع الصلف والتلفظ الجلف والبطش دون تردد واقترب من التحول بعد جوع مضى إلى شبه المربع، لم تعد تتضح لهُ ملامح محل الرقبة من الصدر واختفى الخصر وتضخم الخد ليقارب وزن الرطل لو وزن، اليوم تشطح وتنطح، وغداً ودون سابق إنذار تزول السلطة مثلما نزعها الله ممن كان قبلك وإلا ما وصلت إليك، وغير هذا كله فدوام الحال من المحال، وهذا حال الدنيا وسيأتي ما لا مفر منه، وهو الموت، وسيكون الوقوف بين يدي حاكم عدل وسيقتص الله حينها ويكون الحساب على كل شاردة وواردة، ومن «عيركز» لك ذلك اليوم؟! وأين جوا الذين نفخوك ودهدهوك وركزوا لك قائلين: طحنته، بطحته، وقوة كيف فعل بفلان؟!
* من يتسبب في معاناة ما أو قهر كان أو اقتطاع شيء من حق أحد أو من يعين ويشارك في تصرف كهذا ولو بكلمة أو مجاملة أو محاباة أو جمالة واستبساط نظرية «دقيته مسمار»، لا ندرك العقوبة الربانية ذلك اليوم والتي تنتظرنا بدون شك.
* على كل من يرى في نفسه قُدرة ونفوذ من سلطات الدنيا وفي مكان المسؤولية من الأخلاق والمروءة أن يقابل الرعية وعامة الناس بعفو لا ينتهي... بقدر ما يرجوه من عفو الله سبحانه وتعالى، وفي عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر يوم ولاه على مصر، مسار عمل لمن يريد النجاة في نهاية المطاف.

أترك تعليقاً

التعليقات