طفولة ومعاناة تكسر الظهر
 

شرف حجر

شرف حجر / لا ميديا -
أحمد لم يكمل الاثني عشر عاماً من عمره، طفل من آلاف الأطفال في اليمن الذين سرق العدوان منهم بسمة الطفولة، وحرمهم من التمتع والإحساس بأجمل سنوات العمر وعيش حياة من هم في نفس العمر، فبدلاً من أن يلعب مع أقرانه ويرتاد المدرسة ليتلقى التعليم ويؤسس لمستقبله القادم ويحظى بفرصة لشق طريقه للمستقبل الذي لن يكون سهلاً في بلادنا، يجد نفسه يحمل ثقل الدنيا وقسوتها الجائرة على ظهره الصغير الذي لا يقوى على تحمل غلائب الدهر، طفل يتحمل على ظهره بقايا الألومنيوم وعلب البلاستيك الفارغة ويلف الشوارع والحارات طيلة النهار، بدلاً من الحقيبة المدرسية وسندوتش الاستراحة وعلبة العصير لما بين الحصص الدراسية.
طفولة قاسية وحرمان مؤلم ووجه صغير لفحت أشعة الشمس معالم الصغر منه، وأقدام تشققت من لف الحارات والشوارع لجمع ما يسُد كفاف بطون أسرة، تحمل في طفولته مسؤولية إطعام وسد رمق جوع من يخرج كل يوم لأجلهم. حالة أحمد هي واحدة من آلاف الحالات المشابهة، البعض ضحية أسرة تفككت أو بيئة سيئة أو ظروف لم ترحم، استوقفتني رؤية الطفل للتكلم معه وسؤاله كيف يستطيع حمل هذا الكيس الكبير الثقيل على ظهره، وبدأ نقاش قصير بيننا، لماذا تجمع المخلفات ولا تذهب إلى المدرسة؟! ومن أين أنت؟! أجابني بأنه من الحديدة وهربوا من الحرب، وأنه يجمع ما في الكيس من أجل الطعام، وشعرت أن الطفل محرج من المحادثة.
صحيح أن كثيراً من الحالات نتيجة إهمال وانحراف داخل الأسرة، فهذا لديه أب غير مبالٍ، وذلك أب خبيث يريد من ولده فلوساً بأي طريقة، يشحت أو حتى يسلك طريق الهلاك ولا يرف له جفن، ولكن يبقى لهؤلاء الأمل للنجاة تحمل الدولة المسؤولية تجاههم لإنقاذهم وإعادة ترتيب أوضاعهم.
هل هناك من يعتقد أن طفلاً في هذا الصغر لا يتمنى أن يكون في المدرسة ليتعلم أو أنه سعيد بمعاناة قاسية وشقاء صعب يحرمه من أجمل سني حياته، وأن يعيش كبقية أقرانه، لا أعتقد أن من في قلبه ذرة ضمير وإنسانية من سيشيطن ضحايا بهذا الصغر، وهم فــي مرحلـــــة عمرية غالباً ما تكون ضحية إهمال أو محيط موحش أو قسوة وانعدام للرحمة الأسرية، نتيجة لا تقبل التأويل، إنهم فتية وجدوا أنفسهم ضحايا تسيب أسري ومجتمع ودولة وزاد العدوان كمل ما نقص من أسباب المعاناة والضياع.
الصورة تكفي لطفل لم يذهب إلى إحدى الجولات ليتسول، لذلك نعفي مكافحة ظاهرة التسول من العتب واللوم.
مثلاً: ماذا تم بخصوص توجيهات سيد الثورة (سلام الله عليه) بشأن معالجة ظاهرة التسول؟ رأينا بعد خطاب سيد الثورة عدة لافتات وحلقات ولقاءات ليتبين أن توجيهات السيد (يحفظه الله) لم تترجم بالشكل الصحيح، ولم تنعكس لدى الجهات المعنية إلى برنامج عمل دائم، يبدأ بمسوحات ميدانية واسعة ودقيقة، والفرز وفق رؤية تعالج المستهدفين إلى شرائح، مسنين، ذوي إعاقات، مُعدمين، مشردين بلا مأوى، أطفال لديهم أسر أو يتم ضمهم لدور الأيتام وإعادة دمجهم وترتيب أوضاعهم وإعادتهم للالتحاق بالصفوف الدراسية. توجيهات قائد الثورة تتحمل مسؤولية ترجمتها الحكومة من إعداد القانون إلى مصادر التمويل واللوائح المنظمة الضامنة لاستمرارية النشاط ونجاح الخطة والعمل في الميدان.
كل توجيه لسيد الثورة (حفظه الله) للتخفيف من أحوال الأمة بمثابة شمعة يـُضيئها لشعبه ويطفئها المطننون حولها حتى يطفئوها.
سؤال للمسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية، وصندوق الضمان الاجتماعي، وهيئة الأوقاف، وهيئة الزكاة، والمجلس الأعلى للشؤون الإنسانية، وما يسمى بنك الطعام، والمؤسسات والجمعيات الخيرية: كم تحدث سيد الثورة عن التكافل الاجتماعي؟ وكم هي توجيهاته للجهات المعنية بهذا الخصوص؟
هل محاضرات وخطابات سيد الثورة غير واضحة ولا تُفهم؟ أم لا تتم ترجمة توجيهاته على الواقع بالشكل الصحيح؟ وما هي الأسباب ومن المسؤولين ولماذا؟ سيد الثورة دائماً ما يؤكد على ضرورة معالجة ظاهرة التسول، فما الذي تم حتى الآن؟
أين صندوق الضمان الاجتماعي وهيئة الزكاة وهيئة الأوقاف وبقية من يفترض أن نشاطهم يستهدف الفئات المستحقة لكفالة الدولة ورعايتها، خصوصاً في ظل هذا العدوان المجرم الذي سبب الكثير والكثير؟
هل من الصعب إجراء بحوث دقيقة ومسوحات ميدانية حقيقية للفئات المعدمة والأشد فقراً ورصدها ضمن قاعدة بيانات موحدة تجنباً للتكرار والازدواج ولكي يتم استهداف أكبر شريحة ممكنة؟
هل من المستحيل تجنب المحاباة والأسماء التي لا بد منها في ظل فترة صعبة وتوجيه موارد هذه المؤسسات للمستحقين الفعليين بضمير ومسؤولية بعيداً عن التقاط الصور والتوظيف لأغراض مختلفة؟
هل من الصعب مراجعة كشوفات المستفيدين من صندوق الضمان الاجتماعي؟ ومعروف أن هناك الآلاف من الاسماء مع وجاهات وغيرهم، سيقول البعض لم يُسمح لنا بمراجعة المستفيدين بسبب الجهات المانحة. وهذا مجرد عذر، لأن هذه معونات لا دخل لها بجبهات ولا بمجهود حربي ولا غيرها، والنصراني (المانح) يعرف ومتأكد من هذا الكلام، ونحن مستعدون للشفافية وعمل استمارة لكل مستفيد، وللجهات المانحة الحق في التأكد والمراجعة، أما بقاء الأمر على ما كان عليه فهذه جريمة، (ش) من الناس وجاهة وتحت تصرفه عشرات الحالات، نعم وهي من أيام النظام السابق، لكن هذا ليس مبرراً لغض الطرف عنها وتصحيح الأمر، فهناك من هو في أمس الحاجة إلى هذه المعونات. 
المساعدات النقدية الطارئة، تصرف لنسبة كبيرة غير مستحقين لها، كيف يتم السكوت على هكذا أعمال؟! ومن الذي سجلهم ومن رفع بأسمائهم؟! ولماذا المستحقون والمعدمون لا تصل لهم هذه المساعدات؟!
فعند رؤية طوابير المستلمين لهذه المساعدة تجدها خالية من الفئات التي يفترض أن تكون هي المستفيدة بشكل كبير.
لا يستنفر المعنيون للإنكار، وهذا غير ملائم ومسؤول، وما نطرحه ليس استهدافاً ولا تشويهاً، بل هناك قصور وإشكالية، والمطلوب تحديد أماكن القصور واتخاذ الإجراءات الحاسمة، فهناك بعض الحالات تستلم عدة معونات ومن أماكن مختلفة، بينما البعض الآخر لا تجد ما تطعم به ذويها من خدمات التكافل والرعاية الاجتماعية، يفترض أن من أساسيات نفاذها استمارة استبيان وشروط معينة وفحص وتحري الاستحقاق للمعونة، وليس على أساس المعرفة والوساطة والمحسوبية!
أليست أولوية المعونات للفئات التي ليس لديها أي مصدر دخل نهائياً، والأشد فقراً والتي لا تحصل على أي معونات من أي جهة؟ وهذا يفترض أن يكون الهدف من إجراء المسوحات الميدانية للحالات، وهو تحديد الفئات المستحقة للمساعدات والمعونات الإنسانية.

أترك تعليقاً

التعليقات