ثرثرة
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / #لا_ميديا -

لا أدري لماذا أثرثر في حضرتكَ -كأن أمري يعنيك- كلما اكتشفتُ دهليزاً جديداً في أعماقي المليئة بطلاسم تشبه في تفاصيلها خريطةً بكراً لعالمٍ لمْ تطأه مخيلتي من قبل.
فلم تقم خواطـري -التي كانت لا تؤمن إلاَّ بكل ما يطفو على السطح- برحلة استكشافية للغوص في هذا العالم والتعرف على مجاهله إلاّ بعد غربةٍ روحيةٍ جَعَلَتْني أرفع شعار «العودة إلى الذات».
وكأني بك تتوسل إليَّ أن أُوقف هذه الثرثرة التي أبلِّلُك بها ليقينك أن المظلَّة لن تقيك غزارتها.
ربما وجدتكَ الوجه الآخر لدينارٍ مسكوكٍ في أعماقي يلازمني منذ نعومة حقيقتي وانبلاج مداركي.. ولم أجرؤ يوماً على تداوله قبل إيجاد وجهه الآخر كي لا أُتَّهَمَ بالزيف، لأنني ما طمحت إلى العيش بوجهين، لكن الضرورة الجوهرية للدينار تُحَتِّم عليه ذلك.
إن ثرثرتي ليست إلاَّ أعراضاً لمداهمة ذلك الكائن الخرافي الذي جهله الناس فكنَّوه بـ»القصيدة» ليصِموا كلَّ مسكونٍ بحقيقتها بما يحلو لهم من الألقاب.. حيث يحتل الجنون المنزلة الرفيعة في هذه القائمة «اللَّقَبيَّة» التي تؤطر الشاعر.
إنها القصيدة.. تأتي فتحيلُ المساءَ كتاباً من الغموض والألغاز والأساطير، وتنفخ في رئتي «كِيْر» المعرفة، وستأتي في الليلة التالية لتعاود نفخها اللذيذ في رئتي المُدمنة، لعلمها مسبقاً باستسلامي المطلق وانتظاري للَّحظة التي سأشتعل فيها باليقين.
وبما أنها تحيل المساء إلى كتاب من الغموض والألغاز والأساطير، فإنها تَمْسَخني كتاباً مفتوحاً لا يجد مَنْ يحميه مِنْ عيون السابلة التي تتقافز على صفحاته كالضفادع، وتجهل تلك العيون أن صفحة واحدة تكفي لإصابتها بعسر الهضم.
لم تكن استحالتي إلى كتاب مفتوح من دواعي ثرثرتي- كما قد يعتقد الصامتون- ولكن لمحبتي المفرطة في إضاءة القناديل المهجورة في أطلال جماجمهم، علِّي أوصلهم من خلال صفحاتي إلى الفهرس الفضائي المليء بالكواكب الروحية.
لأستأنس بهم فقط.

أترك تعليقاً

التعليقات