فضيلة الصمت
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -
عندما نفكِّر في الحديث عن عالم الصمت لا يسعنا إلَّا الصمت، لعجزنا عن الخوض في هذا العالم المليء بالأسرار التي لم نحاول يوماً استباحتها.
من البديهي أن الإنسان يستطيع إجادة الكلام في سنوات طفولته الأولى.. لكنه حتى سنوات كهولته الأخيرة لم يفكر بالصمت مثلما يفكر بالكلام لأنه يتكلم بدون تفكير.. ولا أقصد بالصمت هنا ذلك الصمت الذي يعكس الوجه الآخر للبلادة، أو بالمعنى القريب إلى الذهن، أي عدم الكلام فقط، وإنما الصمت العميق المتأمل الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “تفكر ساعة خير من عبادة سنة” الصمت عالمٌ آخر -غير مألوف لدينا- لا يمتُّ لعالمنا بأية صلة.. عالمٌ يسكنه الأنبياء والشعراء والحكماء والمتصوفة والفلاسفة، باختلاف درجات السمو الروحي التي يصلون إليها، باستثناء الأنبياء لأنهم وصلوا إلى المطلق وإلى الحقيقة التي يصعب على غيرهم إسقاط معناها على لفظها، لاعتياد هذا الغير على الحقيقة الملموسة والمرئية فقط.
الصمت عالمٌ غريبٌ عنا تماماً، عندما نلجه نحسُّ بذواتنا المبعثرة في ضجيج الحياة.. عالمٌ يتمكن فيه المرء من كتابة الشعر واستقراء ما وراء القمر، واستقصاء مصادر ضوء النجوم، وأيضاً البكاء القادم من بواطن الرغبة، والتعبُّد والابتهالات الروحية والاتصال بأرواحٍ فارقت أجسامها منذ زمن طويل لتستقر في عالم الخلود.. ذلك العالم الهادئ الذي ليس فيه فسحة للجدال والضجيج.
الصمت، فضيلة لا يدركها إلَّا من عاشها وتعايش معها. فضيلة تكفي الإنسان مشقَّة الإقرار والإجابة على الكثير من الأسئلة حول ما تلفَّظ به ونسيه.

أترك تعليقاً

التعليقات