مثقفون على الورق
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -

منذ سنوات توقفت عن قراءة الكتب الرَّزينة التي تجعلني أتخيل صاحبها جالساً بثيابه البيضاء يتأمل الفراغ، وهو يغمس الريشة في المحبرة ويكتب على جلود الغزلان والأرانب والماعز..
لا أحب الوقار في الكتابة والتظاهر بالرزانة والعمق والفلسفة.
لا أحب الشعراء والكتاب الذين يلتقطون لهم الصور وهم يضعون القلم على خدودهم في لحظة تأمل زائفة لأجل الصورة، أو يتم تصويرهم وهم منكبُّون على الأوراق المتناثرة على مكاتبهم.. يا لهم من مزيفون!
المثقف هو الذي يكون مثقفاً في الحياة، وليس مثقفاً على الورق.. وتكون الحياة وما حوله مصدراً لتأملاته وفلسفته، ولا يعتمد على قراءة الكتب فقط، لأن الحياة هي الكتاب الحقيقي.   
أحب الكتابة العبثية التي تتماشى مع كل هذا العبث الذي نعيشه.. أحب الأدب اللامنتمي، لأننا لا نشعر بأي انتماء من أي نوع.. أحب رواية «الحارس في حقل الشوفان».. رواية «كلهم على حق».. رواية «واحد ولا أحد.. ومائة ألف».. أحب رواية «الجوع».. «العمى»، أحب الكتاب الذين يسخرون حتى من أنفسهم، الذين تراهم على الورق كما هم في الواقع 
 الذين لا يتصنَّعون الرزانة كما يفعل الروائيون الروس الذين يجعلونك تعرف معنى البلغم وانتفاخ القولون لكثرة إسهابهم في السرد، وبالذات تولستوي.
هناك روايات تجعلك تتحسَّس البساط السحري تحتك، وتتحسس أضلاعك لإحساسك بأن هناك أجنحة نبتت فجأة.
أوشو رائع، لكنه لا يناسب طيشي.. لست مستعداً لأن أقتفي خطى غاندي، أو أُجاري راهباً في التيبت.. أشعر بأعماقي صافية بدون كل هذا الادعاء وتأكيده في كل اجتماع يمتلئ بالمتثاقفين.

أترك تعليقاً

التعليقات