من صندوق الماضي
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -
ها أنا أجرجر خلفي 46 عاماً من الهزائم والانكسارات.. وبعضَ ذكرياتٍ من الطفولة لا تصلح أن تكون ذكريات.. الدُّمى حافلة بالذكريات أكثر مني.
ليس هناك شيء يستحق الالتفات إليه في حياتي طيلة 46 عاماً.. حياة اعتيادية، رغم أني أراها مرعبة بيني وبين نفسي، ومازلتُ مصراً على البقاء في مرحلة الطفولة.. مازلت أحتفظ بدراجتي الصغيرة وجزء عمّ، وبعض الملابس التي لا أصدق أنها كانت تتسع لي.. مازلت أحتفظ بروشتة كتبها لي الطبيب، وكم شعرت بالزهو حينها، لأن يد الطبيب كانت أول يد أراها  تكتب اسمي.. شعرتُ أنني مهمٌّ جداً، وأن هناك من يقتطع من وقته ثلاثين ثانية لكتابة اسمي.
حين شربتُ لأول مرة زجاجة كوكاكولا، كاملة، أحسستُ أنني رجل كبير، وأن بإمكاني أن أتصرَّف كرجل راشد، وكأن زجاجة البيبسي هي المعيار لدخول عالم الكبار.. وحين تمكَّنت من قيادة الدراجة لأول مرة كنت أوقن أنني قادر على تحريك الأرض بعجلة واحدة.
دخَّنت أول سيجارة في طفولتي لأنني مللتُ من التصرف كولد صغير، ولأجرب معنى أن أكون رجلاً.. وإلى الآن لم أصل إلى هذا المعنى البعيد.. فطويتُ سنوات كثيرة من البراءة بتدخين سيجارة واحدة بداخل المسجد الذي لم يكن به سوى ولد شقي وسيجارة راشدة، وثالثهما الشيطان الذي ظننتُه العبد الصالح وهو يمدُّ لي بالولَّاعة.
لم يكن الشيطان إلا أنا في سنٍّ متقدمة، ولم يكن ذلك الطفل -الذي لم يجد مكاناً أكثر أماناً من المسجد ليدخِّن فيه عشر سنوات من البراءة- سواي.
لم يكن لديَّ ألعاب كثيرة، فقد كانت كلُّ ألعابنا مجانية.. نرسم في الشارع مربَّعات بالفحم لنتقافز بداخلها، أو نصنع سيوفاً خشبية لنحارب الكفَّار في الحارة المجاورة.. وكنتُ أنا الوحيد الذي أربط إحدى عينيَّ بخرقة سوداء، فقد كانت تستهويني فكرة أن أصبح قرصاناً بعين واحدة وساق خشبية!

أترك تعليقاً

التعليقات