غرفة مسحورة
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -

 بعد اكتمال العد التنازلي لدقائق الساعة السليمانية تندلق قارورة الليل لتُخلِّف بقعةً داكنةً تصبغ شوارع صنعاء التي عجزت عن إزالتها بمسحوق الضوء المنسكب من قناديلها المتعبة، وتستيقظ الأحلام متوثبةً تتحيَّن عناق الجفون لتدخل من أقفالها إلى فضاء المخيلات.
 الفراغ يعزف مقاماته الطولى في رأسي وأنا أذرع الغرفة- رغم استلقائي- وقد تعِبـَت الأحلامُ في انتظار غفوتي التي ما إن تحققت لها حتى وَلَجَتْ مخيِّلتي ناقمةً بعد أن ارتدت أقنعة الكوابيس للتعبير عن امتعاضها.
 كان الصمت قد نجح في تكميم الأشياء..
حتى الضجيج الذي يسكن عظام الغرفة المسحورة بخيالاتي صَمَتَ دون أي أدوية.
وصوتُ «علي بن علي الآنسي» يملأ فضاء الغرفة وهو يردد «وقَفْ.. وودَّعْ».. 
كلُّ ما أعرفه أنني لا أمتلك آلة تسجيل..
ربما أن أذنيَّ واهمتان، أو أن الحنين إلى امتلاك المسجِّل قد خلق نوعاً من الاستحضار!
 استويتُ على شقي الآخر وإذا به يردد:
«يا الله بنا يا شباب»
وعدتُ إلى وضعي السابق فوجدته يترنم بأغنيته الأولى.. كأن يداً خفية تعبث بالمسجِّل الافتراضي!..
 ليس في وسع الأشياء إخفاء نفسها في غرفتي المسحورة.
ففي صباح اليوم التالي دخل أخي الأصغر لأخذ شريط الكاسيت الذي تعمَّد إخفاءه تحت وسادتي كي لا يُضبط بحوزته ويُعاتَبَ على اقتطاع ثمنه من مصروف المدرسة.
 لقد أصبحت ذاكرتي محدودة.. تماماً كذاكرة الموبايل.
فكلُّ مساء أعمد فيه إلى مسح المشاهد اليومية لاستقبال مشاهد اليوم التالي، تعرض لي مخيلتي - التي صارت أشبه بمرآة الحلاق- عشرات الصور التي أنكرها!

أترك تعليقاً

التعليقات