حبال أمريكا!
 

محمود المغربي

محمود المغربي / لا ميديا -
بعد انتهاء أيام الهدنة الأولى والذهاب نحو تمديدها لشهرين إضافيين، كان هناك رفض شعبي للتمديد، وكان أغلب النخب السياسية يومها تعتقد أن الموافقة على تمديد الهدنة دون التزام العدو بشروط الهدنة السابقة ودون وجود مسار سياسي يفضي إلى وقف نهائي للعدوان ويحافظ على الثوابت الوطنية ودون وجود ملامح واضحة لمستقبل ما بعد الهدنة، هو وقوع في فخ طويل الأمد وفرض حالة من الجمود السياسي والعسكري وتثبيت الوضع القائم وبقاء الوطن مقسماً واستمرار الوضع الإنساني المزري يستفيد منه العدو في خلق حالة من الاحتقان والغضب الشعبي ضد الدولة وتآكل الجبهة الداخلية وخلق انقسامات.
وكان الجميع يقول إن استمرار الهدنة وحالة التهدئة لم تعد مصلحة وطنية، بل هدفاً ومصلحة أمريكية سعودية، واستراحة يحتاجها العدو المنهك اقتصاديا وعسكريا، والمثقل بالهزائم والضربات الصاروخية والطائرات المسيّرة.
وحتى يتمكن من أخذ نفس طويل ويستفيد من الحرب الروسية على أوكرانيا ويحافظ على أمن المنشآت النفطية وتدفق النفط إلى الأسواق الأوروبية لتعويض النقص نتيجة توقف الصادرات النفطية والغازية الروسية إلى أوروبا وجني أرباح مضاعفة لتعويض الخسائر الفادحة في العدوان على اليمن وتمويل شراء منظومات دفاعية قادرة على إحباط الهجمات اليمنية.
ونقول بأننا أمام فرصة ذهبية، وعلينا استغلال حاجة العدو إلى تلك الاستراحة، وفرض مطالبنا العادلة بوقف نهائي للعدوان والحصار واستعادة المناطق المحتلة؛ إلا أن القيادة السياسية كان لها وجهة نظر وحسابات مختلفة. وبالتأكيد لدينا إيمان مطلق بحكمة القيادة التي استطاعت إدارة المعركة السياسية والعسكرية والاقتصادية بنجاح، وحققت الانتصارات والإنجازات العظيمة طوال السنوات الماضية، وجعلت العدو يبحث عن هدنة واستراحة لأخذ نفس، وهي وحدها القادرة على سحق كل حسابات العدو وجعله يدفع ثمن كل تلك الألاعيب والمراوغات وتضييع الفرص الثمينة التي يهدرها كل يوم والهرولة خلف أمريكا التي وقفت تتفرج على نيران ودخان المنشآت النفطية السعودية وهي تحترق وتحيل نهار المدن السعودية إلى ليل شديد السواد، وتستمع إلى صرخات الوجع السعودي والإماراتي وهم يتلقون الصفعات والضربات والهزائم على وجوههم وفوق الأراضي اليمنية، ولم تُغنِ عنهم شيئاً سوى اقتراح استجداء هدنة مذلة يتم فيها المراوغة والمماطلة والتهرب وقطع العهود الكاذبة لعل السماء تأتي بمعجزة وتنجح الأدوات في إحراز تقدم وانتصار من الداخل يطيح بالأنصار ويحقق ما لم يتمكنوا من تحقيقه عسكريا وفي ثمانية أعوام.
اليوم وبعد ما يقرب من عام كامل على وقف المواجهات العسكرية وفشل الأدوات في تحقيق أي شيء يذكر سوى الأكاذيب والقصص المفبركة، لا يزال العدو السعودي يماطل ويطالب بضمانات لحفظ أمن المملكة وبمنطقة عازلة، مع أنه وبحسب الوقائع التاريخية لم يحدث أن قامت اليمن بتهديد أمن السعودية أو أي دولة عربية، ودائما ما كان النظام السعودي هو المعتدي علينا، وما يزال يحتل ويغتصب الأراضي اليمنية، وهو من يزرع ويمول الصراعات والفتن داخل اليمن... وإذا كان هناك من يحتاج إلى ضمانات بعدم الاعتداء فهو الطرف اليمني.
ومن السخرية أن يطالب النظام السعودي بضمانات ويستمر في المراوغة والتمسك بحبل أمريكا الذي يلتف حول أعناق بني سعود، وكل يوم يضيق أكثر فأكثر، وربما تجعل أمريكا من ذلك الحبل الذي يعتقد ابن سلمان بأنه للنجاة حبل مشنقة له، كما فعلت مع صدام، الذي خاض حرباً بالوكالة عن أمريكا ضد إيران، وبعدها أغرته باحتلال الكويت، لتشنقه لاحقاً بذلك الحبل، ولا يزال العراق حتى اليوم يعاني من وجود الحبل الأمريكي حول رقبته.

أترك تعليقاً

التعليقات