الزمن يشيخ ويكبر
 

عبده سعيد قاسم

نحن لانكبر وحدنا، حتى الزمن يكبر ويشيخ مثلنا، ويعتريه الوهن والإحساس بمرارة الخيبات. رمضان الذي كان طفلاً عندما كنا صغاراً، هو أيضاً أدركه الكبر مثلنا، وأصبح يزورنا كإسقاط واجب فقط.. لم يعد يجلب أناشيد طفولتنا معه، ولا يثير فرحنا بمقدمه، بل يجيء عابس الوجه مثقلاً بمتاعب الدنيا وهمومها ومواجعها.
عشاياه الآن موحشة مقفرة من تلك الطقوس الجميلة التي كانت تؤديها البيوت والقلوب احتفاء به. لقد استبدلت الأذكار بحصر ضحايا العدوان ومنشورات الصراع السياسي الأهوج العقيم، وغدت صباحاته شاحبة مكفهرّة مثل كثبان رمل لم تطفئ السحاب ظمأه الشديد من قرون طوال، وامَّحت منه مظاهر الحياة.
لم يعد يرتدي وشاحه الأبيض الأنيق الذي كانت تفوح منه رائحة الند والبخور الممتزجة بشذا الكدر واللحوح الفواحة من تناوير الفخار المتقدة بأعواد الحطب، تلك الأشذاد التي كانت تمرح في أجواء القرى، وتغمر أرواحنا بالبهجة والفرح.
أصبحت معاطفه رثة بالية، ووجهه خارطة للتجاعيد، وعيناه حزينتين كعيني شيخ طاعن يجر وراءه أزمنة من التعب والشظف القاسي، كشيخ يشعر أنه امتطى ذرى المشيب، وأن عمره غار في رمال الزمن هدراً، ولم تتحقق أحلامه، ولم يرَ خلفه غير مساحة السنوات الشاسعة الجديبة القاحلة إلا من ندوب تملأ قلبه، وانكسارات تغمر روحه بمشاعر الخيبة والضياع.
رمضان يزورنا كل عام ليذكي في أعماقنا وقيد الذكريات، ويثير الوجع والحزن على زمن جميل لن يعود، فالمناسبات الجميلة تصبح موجعة وحزينة عندما تتحول إلى مجرد ذكريات.
رمضان هذا العام جاء ونحن نعيش حرباً عدوانية غاشمة وحصاراً ظالماً يفرضه علينا هذا العالم القبيح محاباة لممالك النفط وأنظمتها التي لاتجيد سوى خلق الصراعات لشعوب المنطقة، وتبديد مليارات النفط خدمة لقوى الشر والاستغلال.. حتى في الحرب كان رمضان يجيد صناعة الانتصارات، وفيه حقق الجيشان المصري والسوري انتصاراً عربياً ساحقاً على الكيان الصهيوني عام١٩٧٣، إنه الزمن كالمرايا يعكس طفولتنا وكهولتنا وانتصاراتنا وانكساراتنا.
كل عام وشعبنا اليمني منتصر متحرر من قيود وأغلال التبعية لقوى الخارج التي لم تترك مناسبة إلا وأمعنت فيها بأذيتنا وإنتاج الكوارث ضدنا.

أترك تعليقاً

التعليقات