شُبَّابَة
 

عبده سعيد قاسم

لايزالون يعمهون في غيهم ويجترون عفونة ما صنعوه من فوضى وما ابتدعوه من موجات الأكاذيب التي أطاحت بكثير من قيم الالتزام بالصدق، ويتحدثون عن الساحات وعن ثورتهم الشبابية وربيعهم القاحل المقفر من أية قيمة خلاقة تجعلك تصغي لما يهرفون ويدعون. 
رغم مرور ما يقارب خمسة أعوام على ارتكاب الخطيئة، لم يدركوا أن ساحاتهم، ومثلما فتحت جروحاً كثيرة وعميقة في جسد الوطن، غمرتهم كذلك بسيل جارف من الإحباط والشعور بالخيبة والضياع، إلا أنهم يكابرون ويمتدحون فعلتهم تلك التي نسفت كل ما كان قائما من قواعد الدولة الهشة، والتي كان من الممكن ترسيخها وتثبيتها لو أن التغيير كان يستهدف منظومة إدارة الدولة، وليس الدولة، وأن يحرر النظام من قبضة من يديرونه بمفهوم التملك والاستحواذ، وليس إسقاطه كما قالوا وهتفوا وضجوا.
إن هؤلاء الذين لايزالون يتغنون بربيعهم، ليسوا كما يزعمون ضحايا لمن امتطوهم، وتحت لافتات ثورتهم وثوريتهم الشبابية، استطاعوا تصفية الحسابات مع شركائهم في الحكم واسترداد بعض الموارد والمكاسب التي كانوا فقدوها نتيجة احتدام الصراع مع شريكهم في السلطة. 
ليسوا ضحايا كما يبررون لإخفاقهم وفشلهم، لأنهم ثاروا على أرضية ليست مهيأة لثورة، وفي ظروف سياسية ليست مواتية لقيام ثورة تطيح بأدوات إدارة الدولة القديمة البالية، واستبدالها بأدوات جديدة تستوعب أحلامهم وطموحهم، وتحتكم للضرورات الوطنية الملحة كإقامة العدل والحرية والمواطنة المتساوية والتحرر من ربقة الوصاية الخارجية. 
إن الثورات لا يكتب لها النصر والنجاح إلا إذا اكتملت شروط اندلاعها، وامتلكت أدوات انتصارها الذاتية والموضوعية، وحددت أهدافها، وفرزت أنصارها وخصومها بمعايير الفرز النقي من شوائب الخصومات الشخصية وضغائن تصفية الحسابات المرحَّلة من أروقة وطاولات الخناق الشخصي على المصالح الى الساحات العامة، وتحويل غضب الشباب وجموحهم وساحاتهم الى مزاد للمساومة والمقايضة بدمائهم.
إن على الشباب الذين تورطوا في حدوث ما حدث، أن يعتبروها تجربة يتحاشون الوقوع في مثلها، وأن يثخنوها بالنقد والتقييم، ولا يكابروا.

أترك تعليقاً

التعليقات

Dahrann
  • الأربعاء , 25 يـنـاير , 2017 الساعة 9:07:52 AM

Impressive brain power at work! Great answer!