مرونة الفساد العجيبة!!
 

عبده سعيد قاسم

عبده سعيد قاسم / لا ميديا -
لم تستطع الثورات ولا الانقلابات ولا حركات التصحيح ولا القوانين ولا الأعراف ولا كل مصادر التشريع في اليمن أن تضع حدا للفساد الذي يتمتع بسيرورة عجيبة وديمومة لا تخضع لقانون الزمن ولا لمتغيرات السياسة ولا لمضامين النظريات الليبرالية ولا الراديكالية ولا التعاليم الدينية ولا المعرفة ولا الجهل... فهو في نظر إمام المسجد ومدير الحانة شيء لا غنى لأحد عنه، حتى أصبح يتمتع بمشروعية خارجة عن كل الشرائع والأديان، ويتمتع أيضاً بمرونة عجيبة وقدرة مذهلة على التكيف مع كل حدث ومع كل مستجد.
قامت ثورات عدة في اليمن تكاد توازي عدد الحفر والمطبات الممتدة من جولة القصر في تعز حتى جولة دار سلم في صنعاء، وحدثت انقلابات لا تقل عدداً عنها، ولم يتأثر بها الفساد ولم يعبأ بها، بل إنه ومع كل ثورة جديدة يكتسب بعدا ثوريا جديدا، ويفسح لنفسه مساحة جديدة في خضم كل جديد ويتصالح مع رجال الثورات وقادة الانقلابات وعباقرة السياسة ورجال الفكر ورموز الثقافة والأدب وشيوخ الدين وأقطاب الإلحاد، فهو الحاضر الذي لا يغيب والماضي الذي لا يمحى من ذاكرة الزمن.
صحيح أننا نسمع أن مسؤولا في بلد ما أقيل من منصبه وأحيل للمحاكمة بتهمة الفساد؛ لكنه فساد اقترفه مسؤول بمفرده وقع تحت تأثير نزوة عابرة وحين لاحت له الفرصة مارسها فأطاحت به، وليس وباء يجتاح الجميع كما هو في بلادنا.
فهل الفساد منتج يمني محض أم وباء تعاني منه البشرية في كل مكان؟!
ربما الأقرب للحقيقة أن الفساد سلوك توارثه اليمنيون جيلا فجيلا منذ أن خطرت فكرته الشيطانية في ذهن الملكة بلقيس حين تلقت رسالة النبي سليمان التي دعاها فيها للإسلام فتجلت في ذهنها فكرة الاختبار العبقري، وأرسلت إليه القوافل المحملة بالذهب والأموال لتختبر نبوءته من ملكه، من حينها والفساد ينمو ويزداد وقاحة وطغيانا حتى صار شبحا ضخما يحجب بأجنحته السماء عن الأرض مثل “هَوْل الليل” في الأساطير الشعبية.
السؤال المحوري والأهم: هل سيظل المجتمع اليمني يرزح حتى الأبد تحت نير هذا الفساد الضخم الذي سقطت أمامه الثورات العديدة والانقلابات والسلطات المتوالية والأحزاب السياسية والاتحادات والنقابات والقوانين وأجهزة وهيئات مكافحته؟! أم أنه لا بد من جيل سيأتي ويثأر لنا من هذا الإرث التاريخي البغيض؟!
لا يعلم ما في الغيب إلا علام الغيوب. اللهم لطفك بخلقك!

أترك تعليقاً

التعليقات