أطفال الحقبة النفطية
 

عبده سعيد قاسم

تتوالى هزائم العدوان في مختلف جبهات المواجهة، ويثبت المقاتل اليمني الحافي أنه صلب كصخور جباله الشماء، وأن أقدامه ضاربة في أعماق الأرض مثل تاريخه الضارب في أعماق العصور السحيقة هناك في الساحل الغربي وفي الحد الشمالي لليمن وفي جبال نهم وصرواح.
للبطولات حكاية أخرى لا تستوعبها اللغات، ولا يجد التاريخ لضراوتها تفسيراً ولا شبيهاً، لأن من يسطرها على وجه الرمال وفي صميم الصخر، مقاتل يمني ملامح وجهه حادة جادة تشبه تضاريس هذه الأرض الصعبة الوعرة التي لم تذعن لغازٍ يوماً، ولم ترحب بغريب إلا إذا جاء زائراً أو ضيفاً، أما من أتاهم غازياً لايعود إلا أشلاء مجموعة في تابوت.
غباء أنظمة مشيخات النفط لم يسعفهم بمعرفة أو بتوقع ما ينتظرهم من شدة وقساوة في هذا البلد الذي ظنوا أنهم بأموالهم وبصمت العالم سيجتاحون مدنه وقراه بظرف أسبوع من الزمن، وبأريحية تامة، ولن يكلفهم الأمر سوى بضعة ملايين من الدولارات المكتنزة في خزائنهم. لم يكن أطفال الحقبة النفطية أبناء المرضعات الفلبينيات وعشاق التفحيط بالموديلات الفارهة، يعلمون أن كل أم يمنية هي الخنساء، وأن كل رجل يمني هو معدي كرب، وإلا لما جازفوا بالعدوان على بلد أبناؤه أصلب من صخوره، وأشد وعورة من تضاريسه القاسية، وأن عندهم (مهنة الموت لعبة).
لو أن أولئك الصبية قرأوا التاريخ وعلموا ما في طواياه من حكايات مهولة ومرعبة عن المقاتل اليمني، لعلموا أن الزرانيق وحدهم أغرقوا الحملة البرتغالية في بحر من رمال صحراء تهامة، وأن كل قرية ومدينة في اليمن جرعت الغزاة الأتراك مرارات هزائم لم يتجرعوا مثل مرارتها في كل البلدان الكثيرة التي غزوها، ولايزالون يندبون قتلاهم في اليمن الى اليوم بأغانٍ حزينة وأشعار باكية وأمثال شعبية ناعية.
لو كانوا يعلمون ذلك أو بعضاً منه لما تمادوا وثقبوا برعونتهم قمقم المارد اليماني الذي لا نجاة لهم من بطشه وجبروته وكبريائه مهما احتالوا وراوغوا كعادتهم، ومهما استعانوا بكل محاور الشر وقوة الطغيان، فمآلهم الهزيمة الساحقة التي تطل ملامحها من بين سحب أدخنة المعارك وغبار الحرب العدوانية الغشومة، فعواقب أي فعل مبني على الجهل وخيمة ومكلفة.

أترك تعليقاً

التعليقات