كوجوغيتوفيتش ليس بولجانين
 

عبده سعيد قاسم

باستثناء ما لعبته وتلعبه روسيا من دور إيجابي وفعال في سوريا، فإن المراهنة على دور روسي فعال لصالح القضية اليمنية، هو تمترس في متراس مهجور من بقايا متاريس الحرب الباردة، لأن روسيا في الراهن ليست الاتحاد السوفيتي الذي كان، بل هي دولة ورثت عنه ما تبقى من قوة استطاعت أن تنجو من معاول الهدم والتفكيك البروسترويكي، التي وبمعاونة وتعاضد صندوق النقد الدولي البارع في تفكيك الدول والجيوش، هدمت مداميك الأيديولوجية السوفيتية التي كانت تحرك مواقف السوفييت حيال القضايا العالمية. أي أن روسيا أصبحت بنت السوق التجارية العالمية، وخاضعة، بل مخلصة لسياسة المصالح، وتتحرك وتبني مواقفها على شروط المنفعة التجارية، وليس بمقتضيات الإيمان بحق الشعوب بالحرية والاستقلال، حتى دورها في سوريا ليس دفاعاً عن حليف أيديولوجي، بل حماية لأمنها ومصالحها، والدفاع عن سوق سلعة الغاز الروسي في أوروبا من شراهة الغاز القطري المنافس الذي وفي حالة سقوط نظام الأسد سيتخذ من سوريا وعبر تركيا طريقاً له إلى السوق الأوروبية.
روسيا الراهن ليست الاتحاد السوفيتي في الماضي، و(سيرغي كوجوغيتوفيتش) وزير الدفاع الروسي الحالي، ليس (بولجانين) رئيس هيئة أركان الجيش الأحمر، الذي فرمل ببيانه الشهير الهجوم الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦، وقلب المعادلة في تلك الحرب وفي الشرق الأوسط كلياً، بمجرد بيان، وجعل أنتوني أيدن رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، يبتلع ريقه، ويتوسل الرئيس الأمريكي ترومان إصدار بيان مضاد، ورفض ترومان، وأكد لبريطانيا وفرنسا وإسرائيل أن بيان بولجانين جاد، وليس مجرد بيان تهديدي، وأن الجيش الأحمر سيمطر سواحل لندن وباريس بصواريخ لا قبل لهم بها، كما ذكر البيان، وأن أمريكا ليست مستعدة لحرب عالمية ثالثة.
تلك فترة قد خلت، ومن يراهن على دور روسي اليوم عليه أن يقف أمام متغيرات الأحداث وحقائق التاريخ، وألا يتوقع من روسيا دوراً إلا بحدود ما تحتله اليمن من مساحة في خارطة المصالح التجارية الروسية..

أترك تعليقاً

التعليقات