«الزمن الجميل».. هـــل كـــان جميــــلاً حقـــاً؟! الحلقة 6٤
- مروان ناصح الأحد , 14 ديـسـمـبـر , 2025 الساعة 12:05:53 AM
- 0 تعليقات

مروان ناصح / لا ميديا -
الجامعة.. والمنشورات السرية
لم تكن المنشورات السرية مجرّد أوراق تُوزّع؛ كانت قنابل صغيرة تُزرع في ساحة صامتة، كلمات تخطّها أيادٍ مرتجفة، تحمل أحلاماً، مخاوف، وخطوطاً حمراء.
طباعة تحت جنح الليل
كانت الطابعة القديمة تصدر صوتها المزعج في أوقات لا يسهر فيها إلا الحراس، ويختبئ وراء الجدران من يتسلل ليطبع منشوراً لا يُسمح به، رسائل تُحاك ضد السلطة، وبيانات تطالب بالحرية، ونداءات ضد الظلم.
توزيع تحت ظل الخوف
في كل ركن من أركان الجامعة، كان هناك "موزع" شاب، يسلّم المنشور وكأنه يحمل رسالة حياة، ينتظر اللحظة المناسبة لتمرير الورقة بهدوء، وربما لغلق المحادثة بسرعة.
كان خوفٌ يخيم على الكل؛ لكنّ الإرادة كانت أقوى.
أوراق سرية..
وأسرار تُحفظ
لم يكن أحد يثق بسهولة. المعلومات كانت تُنقل من خلال همسات. والعلاقات كانت تُبنى على أساس الثقة المطلقة. وكثيراً ما كان الطلاب يحتفظون بالأوراق في الدفاتر، أو يخفونها في ملابسهم، يتبادلونها كما يتبادل الجنود الرسائل في الحرب.
بيانات تُقرأ بصمت
في أوقات القلق، كانت البيانات تُقرأ بصوت منخفض في الغرف المغلقة، لا إعلان عنها، ولا شهود على حضورها.
كانت الرعدة تشل الجسد من كلمة واحدة تُقال بصوت عالٍ؛ لكنهم كانوا يؤمنون بأن الكلمات المُهذّبة يمكن أن تكون أكثر فتكاً من الصرخات.
بين الورق والظلال
لم تكن المنشورات صدى للأفكار فحسب؛ كانت أدلة على وجود حركة، رسائل للآخرين الذين لم يجدوا الجرأة، وتأكيداً على أن الطلاب لم يكونوا وحدهم في مواجهة الطغيان.
السلطة والرقابة
كانت أجهزة المخابرات تلاحق هذه الأوراق، تفتش عن المصدر، تُغلق الصحف الطلابية، تحظر الاجتماعات، وتعتقل من يُعتقد أنهم خلف هذه المنشورات.
لكنّ الحبر لم يجف، والكلمات لم تمُت، بل أصبحت ذاكرة لأجيال لاحقة، من الحالمين بالحرية.
من الورق إلى الشاشات
اليوم، لم تعد الأفكار تحتاج إلى أوراق تُخفى بين الكتب أو تُمرّر بخوف تحت الطاولة، فقد صار العالم كله شاشة، و"المنشورات" باتت تَنتشر في ثوانٍ عبر الإنترنت. لكن، رغم السرعة، فقدت تلك الكلمات البراءة والعمق اللذين كانت تحملهما المنشورات السرية. أصبحت الحريات الرقمية تُعاني من رقابة جديدة: الخوارزميات، التعتيم، الحجب، والحظر الإلكتروني. وصار التعبير أكثر انكفاءً على الذات، أو اندفاعاً بلا حكمة، بينما كانت المنشورات الورقية تنضح صدقاً وشجاعة، أمام أعين المراقبين الحقيقيين، وأيديهم التي قد تقبض عليك في أي لحظة.
خاتمة:
في "الزمن الجميل"، كانت المنشورات السرية أكثر من ورق؛ كانت رموزاً للحرية المحاصرة، وصوتاً هادئاً يصرخ في وجه القمع، وتاريخاً يُكتب بصمت وسط ضجيج الصمت.










المصدر مروان ناصح
زيارة جميع مقالات: مروان ناصح