مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
البيئة.. المرآة التي تعكس شغف الروح
المراهقة... إنها المرحلة التي تتقاطع فيها الأحلام بالكوابيس، وفي قلبها تقف البيئة كمرآة صافية أو مشوّهة، تعكس اضطراب الروح وتلون مساراتها.
البيئة ليست محض بيوت وطرقات، ولا مجرد أصوات تملأ الفضاء، بل هي طين الحلم الذي يُشكل وجدان المراهقين، فيعطيهم صورتهم الأولى عن أنفسهم والعالم.

القلعة الأولى
البيت هو الوطن الأول، نافذة على الأمان أو باب إلى التيه.
بين نوافذ البيت القديمة، حيث تتقاطع أشعة الشمس مع الغبار، كان المراهق يلمس صدى ضحكات الأيام، يسمع وقع خطواته على الأرض الخشبية وكأنها طبول البداية، يحس أن كل زاوية تحكي له سرّاً، وكل صوت يبعث برسالة صامتة.

الساحة الكبرى
المدرسة ليست جدراناً وأجراساً فحسب، بل خشبة مسرح تتقاطع عليه الطموحات والخوف والضحكات المكتومة.
هناك معلم يوقظ الشرارة في عيون تلاميذه، فيجعل الدرس نافذة على العالم، وهناك آخر يُطفئ الأمل بصرامته وملله، فيحوّل الصف إلى زنزانة صغيرة. المدرسة قد تكون جسراً إلى الحلم أو سوراً يعترض الطريق، ومراهق الأمس كان يعيش هذا الصراع، يفتش في عيني معلم أو زميل عن بصيص يُنقذه من رتابة المشهد.

الإطار الواسع
المجتمع هو البحر الكبير الذي تُلقى فيه القوارب الصغيرة.
أعرافه وقيمه قوانين غير مكتوبة، تُقيّد أو تُحرر.
في مجتمع محافظ، يكبر المراهق محاطاً بالتحذيرات والأسوار، يترنح بين الرغبة في الانطلاق والخوف من الكسر.
وفي بيئة أكثر انفتاحاً، قد يشعر بتيه آخر: اتساع بلا حدود يربكه، فلا يعرف أين يرسو.

المعلم الصامت
كل شارع درْس، كل نظرة عابرة محاضرة صامتة.
حتى الأصوات البعيدة، نداءات الباعة في السوق، ضحكات الأطفال في الأزقة، أزيز السيارات على الطرقات... كلها كانت دروساً تترجمها نفسه إلى قيم وأفكار، تكتب فيها خططها الأولى، وتضع فيها أسس رغبتها في الحياة.
وعند ضفاف النهر، حيث المياه تحكي قصة الزمن، كان المراهق يشعر بأن كل قطرة ماء تحمل سؤالاً، وكل موجة صغيرة تمثل خياراً: هل يظل أسيراً للواقع، أم يجرؤ على الطيران؟

القدرة على التغيير
ورغم كل ذلك، تبقى هناك لحظة سرية، يقرر فيها المراهق أن يتمرّد على العجز.
كم من فتى تحدّى واقعه، وعاش قصته برؤى مختلفة، القدرة على التغيير هي الشعلة التي تُثبت أن الإنسان ليس نتاج بيئته فحسب، بل -أيضاً- مشروع إرادة وإصرار.

مقارنة سريعة
في زمننا هذا، اختلطت البيئة الواقعية بالافتراضية، وصارت الهوية ملعباً معقداً بين الاثنين.
ومع ذلك، تظل الأسئلة ذاتها تتردد: أين الأمان؟ أين الحب؟ وأين المكان الذي يمنحنا الاعتراف بوجودنا؟
الأسئلة لم تتغير؛ لكن الأجوبة ازدادت مراوغة، وصارت أشبه بضوء يتبدد عند لمسه.

خاتمة:
البيئة ليست خلفية جامدة في صورة المراهقة، بل هي بطل خفيّ، يمد ظله على كل تفصيل.
هي المسرح والديكور والجمهور في آن واحد.
وإذا استطعنا أن نفهم هذا البطل الصامت، ربما نمنح المراهق فرصة أن يعزف لحنه الخاص، ويصوغ حياته بجرأة العاشق الأول للحياة.

أترك تعليقاً

التعليقات