مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
مجلة الحائط.. حين كانت الكلمات تُلصق لتُقرأ وتُحب
في أروقة المدارس القديمة، وتحت ضوء خافت يتسلل من نوافذ الصفوف، كانت هناك لوحة خشبية ملساء، تحمل أوراقًا بخط اليد، تُشبه القلب حين يبوح، والعقل حين يتمرد، والموهبة حين تختبر نفسها أمام الملأ.
كانت مجلة الحائط حلمًا صغيرًا يُعلّق على الجدران، لكنه يكبر في عيون التلاميذ حتى يصير جسرًا بين الكلمة والعالم.

الورقة الأولى.. رعشة البداية
في المرة الأولى التي يُطلب فيها من مراهق أن يكتب لمجلة الحائط، يرتبك.
يخاف من الحبر، من رأي المعلم، من نظرة الأصدقاء، من الخطأ النحوي، ومن السخرية الصامتة.
لكنه يكتب... ويعيد الكتابة مرات، ثم يقدّم ورقته بيدٍ لا تزال تتعلم كيف تمسك بالقلم كأنها تمسك مصيرًا.

لحظة النشر.. لحظة الانتشاء
حين تُلصق الورقة على الجدار، ويرى اسمه مكتوبًا أسفلها، يشعر بشيء لم يعرفه من قبل: الفخر.. لا لأن الجميع قرأ، بل لأنه كتب وشُهد له بالجدارة.
تلك اللحظة كانت تعادل عنده الآن ألف إعجاب على وسائل التواصل.
المارة من الزملاء يتهامسون: "هذا المقال لفلان!"، والمعلم يربّت على كتفه، وبعضهم يغار في صمت.
وهكذا تبدأ الموهبة بالظهور، لا بضوضاء، بل بدهشة.

مجلة الحائط... وطن من ورق
كانت المجلة تتنوع في محتواها: مقالة عن الوطن، قصة قصيرة، طرفة ذكية، حكمة الأسبوع، رسم تعبيري، أو حتى نقد غير مباشر للواقع المدرسي.
كانت متنفسًا صغيرًا، وجريدة صادقة في عالم مغلق، وكان لها طقوسها: لجنة تحرير، محرر رئيسي، خطاط رسمي، وزملاء يتسللون ليلاً ليضيفوا سطرًا أو يصححوا خطأ قبل أن تفتح المدرسة أبوابها.

الموهبة تولد على الحائط
كم من كاتب بدأ هناك، في ركن صغير من مجلة الحائط، ثم صار لاحقًا صحفيًا أو أديبًا أو مفكرًا.
كم من مراهق اكتشف قدرته على التعبير حين رأى كلماته منشورة، مرئية، محترمة.
كانت المدرسة تعرف كيف تصنع منصة من لوحة خشب، وكيف تفتح نافذة صغيرة أمام بحر المواهب.

واليوم.. جدارٌ بلا مجلة
في مدارس كثيرة اليوم، اختفت مجلات الحائط، أو صارت نسخة مطبوعة يحررها معلم، لا الطلاب.
فقدت عفويتها، وخسرت وظيفتها كمختبر حر للمراهقة الباحثة عن ذاتها.
اليوم، المراهق يكتب على هاتفه، ينشر على صفحته، لكنه نادرًا ما يقرأ ما يكتبه الآخرون.
أما في الزمن الجميل، فكان الجميع يقرأون الجميع.. ويتعلمون.

خاتمة
مجلة الحائط في الزمن الجميل لم تكن مجرد وسيلة تعليمية، بل كانت دفترًا جماعيًا على مرأى من الجميع، يحمل على صفحاته أحلامًا تُولد وهمساتٍ تخاف من صوتها العالي.
لم تكن للعرض فحسب، بل للانتماء.
ومن يقف أمامها اليوم في ذاكرته، يشعر أن تلك الأوراق التي اصْفرّت مع الزمن، لم تكن إلا أوراق قلبه الأول حين بدأ النبض في العلن..

أترك تعليقاً

التعليقات