مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
وميضٌ من الداخل.. اكتشاف الموهبة في المراهقة
لم يكن اكتشاف الموهبة حدثاً دراميّاً في ذلك الزمن، بل لحظة هامسة، نمرّ بها دون أن نُدرك كم ستكون فارقة فيما بعد.
في زحمة الدروس والقيود والأصوات الكثيرة، كنا نسمع صوتاً خافتاً ينبض فينا: شيء نفعله بشغف، لا نُجيده تماماً، لكننا نشعر أنه يشبهنا.

اللحظة الأولى.. دهشة الداخل
قد تبدأ الموهبة بخربشة على الورق، أو بلحن نردّده دون قصد، أو بقدرة غريبة على سرد الحكايات.
لا أحد يوجّهنا، ولا دليل يقودنا. إنه شعور دافئ بأن هذا الشيء الصغير يمنحنا فرحاً داخلياً لا يفسّره أحد.

الصدفة التي تكشف المستور
في مسابقة مدرسية، أو تعليق عابر من أستاذ، أو حتى في حصة مهملة، قد يُكتشف فينا شيء لم نرَهُ من قبل.
أحياناً، يقول أحدهم: "لديك صوت جميل"، أو "ما هذا الرسم؟!"، وتتحول الجملة إلى شرارة تُشعل شغفاً لا يخبو.

الخوف من الاختلاف
في المراهقة، لا نحبّ أن نبدو مختلفين، لذلك قد نخفي موهبتنا في البداية.
مَن يرسم لا يُري لوحاته لأحد. ومن يكتب لا يقرأ نصه بصوت عالٍ. ومن يغنّي يفعلها عندما يكون وحيداً.
كنا نخاف من السخرية، ومِن ألّا يؤمن بنا أحد.

الموهبة.. نافذة على الذات
حين نمارس ما نُحب، كنا نشعر أننا أكثر وضوحاً.
ننسى القلق، التوتر، والصراع مع الأهل أو المعلمين.
كانت الموهبة لحظة صفاء نرى فيها أنفسنا كما نحب، لا كما يرانا الآخرون.

المعلم الداعم.. الفارق السحري
أحياناً، يظهر معلم يؤمن بنا، قبل أن نؤمن نحن.
يقول: "استمر"، "أنت تملك شيئاً"، ويُفسح لنا مجالاً.
لا يهم إن كان يدرّس الأدب أو الرياضيات. المهم أنه يرى، ويُشير، ويُشجّع. هؤلاء كانوا مفاتيح سرّية نحو بوابة الذات.

الصداقة التي تكشف الموهبة
كم من مُراهق كتب أولى كلماته لأن صديقه طلب منه ذلك، أو قرأ قصيدة لأن أحدهم قال له: "جرّب"!
الأصدقاء في تلك المرحلة كانوا مثل مرايا، لا تزيّن الصورة ولا تشوّهها، بل تُظهر الموهبة كما هي، ببساطتها وتفرّدها.

حين تصبح الموهبة عزاءً وجسراً
في لحظات الوحدة، كانت الموهبة ملجأ. وفي لحظات التشتت، كانت جسراً يُعيدنا إلى أنفسنا.
كنا نرسم، نكتب، نغنّي، نمثل، نركّب أشياء... لا لنُبهر العالم، بل لنرتّب فوضى الداخل، ونقول لأنفسنا: "أنا أستطيع".

مقارنة سريعة مع مراهقي اليوم
في زمن اليوم، صارت المواهب تُعرض وتُقاس بسرعة، والضغوط لتكون "مميزاً" قد تقتل التميز نفسه.
ومع ذلك، يظل لحظ الموهبة الأولى كما كان: تجربة داخلية، نادرة، لا تحتاج للجمهور بقدر ما تحتاج لصوت داخلي يقول: هذا أنا.

الخاتمة
اكتشاف الموهبة في المراهقة لم يكن طريقاً مفروشاً بالتصفيق، بل همسة صادقة من الذات، تُخبرك أن فيك شيئاً ثميناً. شيئاً لو رعيتَه قد يغيّر حياتك.
وفي الزمن الجميل، كان الطريق إلى هذا الاكتشاف بطيئاً؛ لكنه كان صادقاً، مثل ضوءٍ صغير لا ينطفئ.

أترك تعليقاً

التعليقات