«الزمن الجميل».. هـــل كـــان جميـــلاً حقــاً؟! الحلقة 3٧
- مروان ناصح الأثنين , 20 أكـتـوبـر , 2025 الساعة 10:00:30 PM
- 0 تعليقات
مروان ناصح / لا ميديا -
المعلم في حياة المراهق.. مرآة الطريق وأب للكلمات
في ذلك الزمن الذي لم تكن فيه المعرفة تُلقى من وراء الشاشات، كان المعلم شخصية لها هيبة خاصة، لا تأتي من السلطة وحدها، بل من الحضور، من الصبر، من الطريقة التي ينظر بها في عينيك ويقول: "أنت تستطيع".
في مرحلة المراهقة، حين تبدأ الروح في التململ، ويعلو صوت التساؤل، كان المعلم هو الصوت الهادئ الذي لا يفرض، بل يُنير.
هيبة بلا صراخ
لم يكن المعلم في الزمن الجميل يصرخ كي يُسمع، بل كان الصمت حين يدخُل إلى الصف، يكفي لأن يلتفت الجميع.
كانت هيبته من نوع آخر؛ نابعة من احترام داخلي لا يُفرض، بل يُستدرج.
أبٌ آخر خارج البيت
كنا نشعر أحياناً أن في قلب بعض المعلمين حناناً لا يُقال؛ لكنه يُلمَس.
لم يكن يتحدث عن المشاعر؛ لكنه يعرف متى يربّت على كتفك بعد إجابة صحيحة، أو يسأل عنك إذا تغيبت، أو يغمز بعينه كأنه يقول: "أنا أفهمك، ولو أنك لا تقول".
اكتشاف الذات من خلالهم
كم من فكرة تولّدت فينا من كلمة قالها معلم ذات حصة عابرة؟!
وكم من حلمٍ تشكّل لأن أحدهم قال لنا: "أنت تكتب جيداً"، أو "لديك صوت جميل"، أو "رأيك له وزن".
لم يكونوا يلقّنون فقط، بل كانوا يفتحون الأبواب التي لم نكن نعرف أنها موجودة.
قوس التمرد الخافت
في مرحلة المراهقة، كنا نتمرد بصمت أحياناً. نختبر حدودنا معهم، نغضب لأنهم لم يفهمونا، ونعود لنتأملهم بصمت حين يُثبتون أن الحب لا يحتاج إلى موافقة.
كانوا جزءاً من اختبارنا الأول للسلطة، وجزءاً من فهمنا لها.
اللغة والقدوة والسلوك
كان معلم اللغة العربية يتحدث كأن القصيدة تمشي على قدميها، وكان معلم الرياضيات يزرع فينا حب الدقة والنظام، ومعلم الفنون يعرض علينا لوحة ناطقة بالجمال، فنظل نتذكرها عمراً.
لم تكن دروسهم عابرة، بل نقوشاً على الحجر لا تفارق أيامنا والليالي.
يُخطئون.. ونتعلم الغفران
أحياناً، كانوا يخطئون، يتسرعون، يظلمون، يغفلون عنّا. لكن ذلك كان درساً آخر: أن الكبار ليسوا كاملين، وأننا نحن أيضاً سنتعلم مع الوقت كيف نغفر ونفهم.
يبقون.. حتى لو غابوا
مرت السنوات، وتغيرت الأسماء؛ لكن اسم أول معلم قال لنا "أحسنت"، أو أول معلم احتضن خوفنا من الامتحان، يبقى في القلب كالوشم، لا تمحوه الأيام.
مقارنة موجزة مع
معلم اليوم
اليوم، صار المعلم في كثير من البيئات محاصراً بالأنظمة، مثقلاً بالتقارير، مُنهكاً من التقييمات، والدروس الخصوصية، ومطاردة لقمة العيش.
وفَقَد -في عيون كثير من الطلاب- تلك الهالة التي كانت تحيط به.
ومع ذلك، فإن المعلم الحقيقي ما زال يظهر من بين الزحام، يحمل شعلة قديمة، ويقول لتلميذٍ صغير: "امضِ، فأنت قادر".
الخاتمة
كان المعلم في زمن المراهقة هو أكثر من ناقل للعلم.
كان ضوءاً يسير أمامنا، ويُضيء الطريق دون أن يُمسك بأيدينا.
وربما لهذا، حين نكبر، لا نذكر كثيراً ما علّمونا إياه، بقدر ما نذكر كيف جعلونا نشعر بأننا قادرون على التعلم.
المصدر مروان ناصح
زيارة جميع مقالات: مروان ناصح